مثلما في كل حدث دعا المفتش العام للشرطة، روني ألشيخ، أول من أمس، بعد العملية الى العودة الى الحياة العادية. لعل هذا صحيح بالنسبة للمواطنين، ولكنه ليس كذلك لـ"قوات الأمن" التي يتعين عليها ان ترى في العملية حدثا استثنائيا يخرج عن سياق عمليات "المخربين" الافراد الذين يهاجمون منذ نحو سنة.
حتى لو تبين في نهاية المطاف أن "المخرب" نفذ العملية وحده وليس في إطار تنظيم "ارهابي"، وحتى لو كان الربط الذي عقده قائد لواء القدس، اللواء شرطة يورام هليفي، بين العملية، أول من أمس، والعمليتين الأخيرتين اللتين وقعتا، في العاصمة في الشهر الماضي، دقيقا فلا يزال الحدث القاسي في القدس، أول من أمس، والذي أطلق فيه "مخرب" النار في عدة مواقع بسلاح ناري، هو قفزة درجة.
ثمة جسارة مقلقة، بدت واضحة، في تنفيذ العملية وما بعدها ايضا، عندما تبين حجم الإسناد الذي ناله من سكان المدينة ممن خرجوا الى الشوارع وأخلّوا بالنظام. فالاحتفالات الجماهيرية خارج منزل "المخرب" في نطاق العاصمة تعزز التقدير بأن هذا الحدث من شأنه أن يشعل شيئا ما آخر في القدس، وينقل العاصمة من عمليات السكاكين الى عمليات السلاح الناري. فالمقلدون الذين ساروا في أعقاب السكين قد يسيرون في أعقاب بندقية الـ"ام 16" ولا سيما عندما يكون الحدث وثق بالكاميرات ومنفذ العملية معروف بنشاطه الواسع في الشبكة الاجتماعية والاعتقالات السابقة. في القدس، من المهم أن نتذكر، من الاسهل الحصول على السلاح التابع للجيش الاسرائيلي مما في نابلس.
للرزنامة ايضا توجد أهمية: اذا أخذنا بالحسبان حقيقة أننا عشية "يوم الغفران"، والذي في اثنائه سيصل عشرات آلاف المصلين إلى "المبكى"، وقبل عيد العرش (السوكوت) حين يصل عدد مشابه من الزوار الى العاصمة كل يوم، نفهم بأننا على شفا نقطة غليان تستوجب "بطانية تبريد"، سواء عملياتية ام على المستوى السياسي. في الجانب العملياتي تغرق القدس بافراد الشرطة والمقاتلين ممن ردوا، أول من أمس، ايضا بسرعة، وفي غضون أربع دقائق من لحظة بدء الحدث صفوا "المخرب". وهم يدفعون ثمنا باهظا، وعن حق يحرص اللواء هليفي على تسميتهم "حُماة القدس". الفجوة واضحة في المجال الاستخباري، وأولاً وقبل كل شيء في العثور على "المخرب" المحتمل من بين الآلاف العديدة الذين يستجيبون لصورة "المخرب"، وهنا مطلوب عمل.
"المخرب"، الذي نفذ العملية في القدس، أول من أمس، كان ينتمي لـ"المرابطين"، اولئك النشطاء الذين يصطدمون بقوات الشرطة حول الحجيج الى الحرم، وعمليا كان على بؤرة الاستهداف. فقد حصل على سلاح يعود للجيش الاسرائيلي بمواصفاته الرسمية، وهذه ليست مهمة معقدة جداً لمواطن اسرائيلي يمكنه ان يشتري وسيلة قتل كهذه "يد ثانية" من سارقي اسلحة الجيش الاسرائيلي. وقبل نحو نصف سنة ايضا وقع حدث في منطقة حي راموت حيث استخدم فيه "المخربون" بندقيتي "ام 16" وصفيا. يدور الحديث عن منفذ محتمل لعملية ذي ماض أمني غني اعتقل ثلاث مرات في عشرة ايام. وفضلا عن ذلك ففي هذه المرة ايضا وجدت تعبيرها الميزة المشتركة بين سلسلة العمليات – حساب فيسبوك مليء بالتصريحات المضادة لاسرائيل. لقد كان العنوان مرة اخرى على الشبكة الاجتماعية.
في كل العمليات في السنة الاخيرة تقريباً حين أشار الجيش، المخابرات، والشرطة لحقيقة انهم يجدون صعوبة في اعتقال "المخرب" المنفرد دون اخطار مسبق، مع صفر استخبارات وبدون بنية تحتية تنظيمية او حتى محلية، استقبل هذا القول بتفهم نسبي في الجمهور الاسرائيلي، وعن حق. فهذه المهمة، في الدخول الى عقل المنفذ الذي يقرر ذات صباح تنفيذ عملية بسكن او مفك وجده في موقع بناء تبدو متعذرة. اما العملية التي وقعت، أول من امس، فهي ليست كهذه. يحتمل ألا ينجحوا في احباطها، ولكن من الواضح من التحقيق الاولي انه كان يمكن عمل شيء أكثر لمحاولة منعها في ظل المعطيات التي انكشفت.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف