- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2016-10-17
إتجهت الأنظار مؤخرا الى مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بعد حملات امنية قامت بها الفصائل الفلسطينية واللجان الامنية داخل المخيم ضد مروجي المخدرات في المخيمات بدعم مباشر من ابناء المخيم ولجانه وهيئاته الشعبية ومؤسساته الاجتماعية، بما رفع الغطاء عن المتورطين وقدم المخيم على حقيقته باعتباره ضحية سلوكيات غير اخلاقية تحتاج الى تضافر جهود الجميع، لوضع حد لهذه الآفة ومعالجتها، بشكل جدي، باجتثاث اسبابها الفعلية، بعيدا عن الاستعراض الإعلامي غير المجدي.
لا نتحدث عن هذه الآفة باعتبارها مشكلة محلية فلسطينية تعني مخيم شاتيلا او المخيمات فقط، بل هي حالة عامة يمكن ان نجدها في محيط المخيمات وفي مناطق لبنانية مختلفة. لكن هذا لا يعني للحظة التراجع او التقليل من خطورة مثل هذه الآفات على المجتمع الفلسطيني المطالب بكل هيئاته واطره المختلفة، سياسية وامنية واجتماعية ودينية، اخذ هذه المشكلة على محمل الجد وعدم التهاون او التساهل مع المتورطين فيها، ليس باعتبارها آفة اجتماعية يشكل استفحالها مشكلة جدية تهدد مخيماتنا، بل خطر إجتماعي - سياسي يهدد كل الحالة الفلسطينية بأبعادها السياسية والوطنية .. من هنا اهمية دق ناقوس الخطر امام جميع المعنيين من لبنانيين وفلسطينيين بأن يقاربوا هذه المشكلة برؤية وقناعة موحدة حول جذرها واسبابها الحقيقية واساليب وطرق معالجتها..
رغم ان المشكلة لم تصل بعد الى درجة اعتبارها ظاهرة عامة، وهي لا زالت في حدود ضيقة ويمكن السيطرة عليها، فمن السهل وضع المعالجات السليمة التي يجب ان تنطلق من معالجة الاسباب الحقيقية التي دفعت بمروجي هذه الآفة للتوجه الى مخيم شاتيلا وغيره من المخيمات، وحصر الاعداد الفعلية من الشباب المتورط بالتعاطي داخل المخيم. لذلك وجب الاشارة الى مجموعة من الملاحظات التي وان كانت معروفة للبعض، الا انها تبدو خافية على الكثيرين ويمكن استحضارها، ان صحت النوايا وكانت هناك رغبة فعلية في القضاء على هذه الجريمة قبل ان تستفحل وتتوسع، وهي ملاحظات لا تنطبق على مخيم شاتيلا فقط بل تتقاسمها جميع المخيمات في لبنان:
تأسس مخيم شاتيلا عام 1949 من قبل اللجنة الدولية للصليب الاحمر قبل ان تتسلمه وكالة الغوث بشكل رسمي لتقديم الخدمات لسكانه الهاربين من مدنهم وقراهم في فلسطين نتيجة عمليات الارهاب والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية قبل وبعد العام 1948. يقع المخيم بين بعض احياء العاصمة واحياء الضاحية الجنوبية ويمتد على مساحة جغرافية لا تزيد كثيرا عن واحد كيلو متر مربع جنوب شرق العاصمة بيروت، تحده المدينة الرياضية من الغرب ومستديرة شاتيلا، الغبيري والشياح من الشرق، منطقة السفارة الكويتية وتجمع بئر حسن من الجنوب وتجمع صبرا والطريق الجديدة من الشمال.
ليست هناك ارقام دقيقة عن عدد المقيمين داخل المخيم، لكن بعض التقديرات تشير الى ان العدد بلغ حوالي (16) الف نسمة، نصفهم من اللبنانيين والسوريين. رغم ان احصاءات وكالة الغوث تقول ان عدد المسجلين داخل المخيم هو (8.500) لاجئ، غير ان ارقام الاونروا لا تعكس الواقع نظرا لاعتمادها على معيار التسجيل في القيود وليس المقيمين بشكل فعلي. وبذلك يكون المخيم من أكثر المناطق كثافة بالسكان، مع كل ما يعنيه ذلك من انتشار الامراض والاوبئة والآفات الاجتماعية ومنها مشكلة المخدرات.
لكن رغم ذلك ومهما تباينت تقديرات الجهات المعنية، الا ان ما يتفق عليه هو ان المخيم يقع ضمن مجموعة من الأحياء التي يسكنها لبنانيون وسوريون وجنسيات مختلفة يجمعها قاسم مشترك واحد هو الفقر، وهم في غالبيتهم يعتاشون من خلال محلات صغيرة نشأت على اطراف المخيم او عبر نقاط بيع متنقلة تنتشر داخل ازقة المخيم وعلى اطرافه. وقد تم تدمير المخيم مرات عدة على يد العدو الاسرائيلي، وتهجر سكانه اكثر من مرة خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وهو المخيم الذي ارتكبت داخله واحدة من افظع مجازر العصر الحديث "مجزرة صبرا وشاتيلا"، وآخر مرحلة تاريخية شهدت تدمير المخيم كانت بين عامي 1985 حتى 1987 فيما يصطلح على تسميتها ب "حرب المخيمات" التي ادت الى تدمير المخيم بشكل كامل لم يتم الانتهاء من اعمار اغلب منازله الا في منتصف التسعينات.
تداعيات الحروب المتعددة والتدمير المتكرر برزت بشكل واضح مع عودة الحياة الى طبيعتها، حيث برزت مشكلة التغييرات الديمغرافية التي طرأت على المخيم، حيث برزت الامور التالية:
1) تحول اعداد كبيرة من ابناء المخيم لتقيم اما في المدن اللبنانية او داخل مخيمات اكثر امنا خارج بيروت. بالمقابل قدمت الى المخيم عائلات من خارج المخيم فلسطينية وغير فلسطينية.
2) قدوم اعداد كبيرة من العائلات الفلسطينية التي كانت مهجرة داخل احياء بيروت والتي اضطرت لمغادرتها بعد إقرار الحكومة اللبنانية الاستراتيجية الوطنية لحل مشكلة المهجرين بدءا من العام 1990 والتي اخرجت المهجرين الفلسطينيين من اطارها، فما كان من هذه العائلات الا التوجه الى داخل المخيم، وهي اصلا من مخيمات اما تم تدميرها كمخيمات تل الزعتر وجسر الباشا .. او مخيم النبطية او من تجمعات تهجرت بفعل الحرب الاهلية.
3) استقبال مخيم شاتيلا، كغيره من المخيمات، لعشرات العائلات التي نزحت من مخيم نهر البارد بعد تدميره ولا زالت منازلها مدمرة، اضافة الى مئات العائلات الفلسطينية النازحة من سوريا...
4) الآلاف من العائلات والعمال من غير الفلسطينيين الذين دخلوا المخيم في فترات مختلفة وسكنوا المخيم عبر بناء عشوائي داخل وعلى اطراف المخيم واخذ يتمدد بشكل تدريجي حتى اصبح متواصلا جغرافيا مع بعض الاحياء اللبنانية.
كل ذلك وضع المخيم تحت ضغط سكاني وبشري كثيف، وهو اصلا يعاني من خلل في شبكات البنى التحية التي ظلت على حالها منذ اكثر من خمسين عاما. وبالتالي بالامكان تصور حجم المشكلات التي يمكن ان تنتج عن هذا الواقع ، وفي ظل اوضاع سياسية وامنية لبنانية وإقليمية غير مستقرة وغياب تام للدولة اللبنانية وخدماتها، هذا اضافة الى المشكلات الداخلية الفلسطينية لجهة غياب المرجعية الفلسطينية في المخيم بشقيها الامني والسياسي.
كل هذه المعضلات مضافا اليها الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه الفلسطينيون في لبنان لجهة الحرمان من الحقوق الانسانية والاجتماعية خاصة حق التملك وحق العمل، انتجت انعكاسات سلبية سبق لنا ولغيرنا وان حذر منها ومن نتائجها في مناسبات عدة. ففي ظل كثافة سكانية مرتفعة وبقاء المساحة الجغرافية المقامة عليها المخيمات على حالها منذ التهجير عام 1948 وفي ظل الزيادة الطبيعة للسكان ثلاثة اضعاف تقريبا، اضف الى ذلك السياسات اللبنانية المتواصلة والتي تمنع العمال الفلسطينيين من العمل بحرية وتسد ابواب السوق اللبنانية امام الخريجين الفلسطينيين من حملة الشهادات الجامعية ما ادى الى ارتفاع نسب البطالة في المخيم لتلامس عتبة ال 60 في المئة، فيما تقول وكالة الغوث ان معدلات الفقر العام بين اوساط اللاجئين الفلسطينيين وصلت نسبة 65 في المائة.
لم ينته المسلسل بعد. وكأن كل هذه الامور ليست كافية كي تأتي وكالة الغوث التي انتدبت لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ولتعلن سلسلة من التدابير التقشفية التي مست خدماتها الصحية والتعليمية والاغاثية وتلك المتعلقة باعمار مخيم نهر البارد وبالنازحين الفلسطينيين من سوريا. ليبدو وكأن هناك سيناريو وان تعددت حلقاته الا انه يخدم امرا واحدا هو المزيد من الضغوط على اللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم اما لتهجيرهم في منافي الارض واما لبث رياح اليأس والاحباط بين صفوفهم بما يسهل على اصحاب القرار طرح وتمرير مشاريعهم السياسية التي حكما انها تتعاكس مع ارادة ورغبات الفلسطينيين، خاصة لجهة حق العودة.
الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب للاجئين الفلسطينيين في لبنان جاء مترافقا مع اوضاع سياسية داخلية ليست مريحة ولا تبعث على التفاؤل خاصة مع الانكشاف السياسي والامني للمخيمات وشعور الغالبية العظمى من اللاجئين بأنها متروكة لقدرها في ظل حالة الانقسام التي انعكست بسلبياتها على جميع التجمعات الفلسطينية، ونالت الحالة الفلسطينية في لبنان نصيبها بما يكفي، وسط تفشي بعض نزعات الاحباط من الحالة الفلسطينية العامة وفشل الفصائل في لبنان في الوصول الى تشكيل مرجعية سياسية وامنية تحظى بقبول واحترام ابناء المخيمات وتكون مدافعا امينا عن مصالحهم وحقوقهم، وبما ينعكس ايجابا على جميع الاطر الوطنية والشعبية على امتداد كل المخيمات، خاصة ونحن نعيش وسط نار ملتهبة وكل طرف يسعى للحفاظ على شعبه وقومه وجماعته، سواء على المستوى الوطني او الطائفي والمذهبي والمناطقي..
هذا هو التوصيف الحقيقي للواقع الفلسطيني في لبنان وفي مخيم شاتيلا، وعلى الاساليب المعتمدة في تغيير هذا الواقع يتوقف معالجة الكثير من المشكلات ومنها بعض الآفات والظواهر الاجتماعية التي تعتبر نتائج طبيعية لواقع سياسي واقتصادي سيء من السهل على اعداء الشعب الفلسطيني استهدافه وتحديدا عندما يتعلق الامر بفئة الشباب التي عليها رهان التغيير المستقبلي وهي الفئة المستهدفة بشكل رئيسي بسياسات وجرائم الآفات الاجتماعية خاصة إذا ما علمنا ان فئة الشباب تعتبر أكثر الفئات تأثرا بالفقر لدى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إذ يرزح 74 بالمائة منها تحت خط الفقر حسب ارقام وكالة الغوث.
لذلك ليس كافيا القول ان مشكلة المخدرات هي مشكلة اخلاقية مرفوضة قانونيا ودينيا وتحتاج الى حملات توعوية اجتماعية، سياسية ودينية وغيرها، او ان نكتفي باعلان التأييد المتكرر لملاحقة المتورطين، على اهمية وضرورة ابقاء الحالة الشعبية والسياسية موحدة ضد كل من يعبث بأمن الشعب الفلسطيني في شقيه السياسي والاجتماعي، الا ان كل الحلول تبقى قاصرة وعاجزة ما لم تؤخذ المشكلة بأبعادها الاقتصادية - الاجتماعية والسياسية وكونها معضلة ليست معزولة عن المحاولات السياسية الصريحة والعلنية لضرب الوجود الفلسطيني في الشتات وعنوانه البارز المخيمات وساكنيها..
ان المشكلات والمعضلات التي تشهدها المخيمات الفلسطينية في لبنان على جميع المستويات، وإن اختلفت في بعض تفاصيلها، الا انها تعود بجذرها الى سبب واحد وهو واقع اللجوء والتهجير وممارسة كل اشكال القهر السياسي والاجتماعي والاقتصادي على الفلسطينيين باعتبارها حربا مكملة لحرب سياسية على الحقوق الوطنية، وبالتالي فان معالجة تلك المشاكل لا يمكن ان تستقيم دون مراعاة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المخيمات والمقيمين فيها..
لذلك مطلوب اليوم جهد خاص من قبل الهيئات المعنية على مستوى الفصائل والقيادة السياسية والاطر السياسية والامنية والحراكات المختلفة ووكالة الغوث ومؤسسات المجتمع المدني وبالتعاون مع المؤسسات اللبنانية المعنية لوضع حد لكل ما من شأنه الاساءة الى المخيمات الفلسطينية في لبنان وصورتها النضالية وبهدف القضاء على كل ما من شأنه ان يحرف النضال الفلسطيني الاساسي عن وجهته الحقيقية. لأن استهداف المخيمات بالآفات والظواهر الاجتماعية انما يهدف الى ضرب النسيج الاجتماعي والمجتمع الفلسطيني وركيزته الاساسية المتمثلة في الشباب، من هنا فان المعالجات يجب ان تكون جذرية ولا تقتصر على الجوانب الامنية فقط، على اهمية ذلك، بل معالجة الاسباب الاقتصادية والاجتماعية وفي مقدمتها نسب البطالة العالية والكثافة السكانية وحق التملك والعمل وغيرها من الاسباب التي تشكل عاملا ضاغطا على الاسرة الفلسطينية كمؤسسة اجتماعية يتوقف على استقرارها استقرار كل الحالة الفلسطينية في لبنان..
أن الدولة اللبنانية بمؤسساتها المختلفة خاصة الخدماتية والبلديات مطالبة بدور داعم للجهود الفلسطينية داخل المخيمات، وبما يحصن اوضاع المخيمات على مختلف المستويات السياسية والامنية والاجتماعية – الاقتصادية باعتبارها بيئة داعمة للامن والاستقرار في لبنان.. وهذا ما يعني اهمية اقرار الحقوق الانسانية بجميع عناوينها وباعتبارها احدى الروافع التي توفر مقومات الصمود الاجتماعي للاجئين ونضالهم من اجل حق العودة..