قرار اللجنة الادارية في "اليونسكو"، في موضوع البلدة القديمة في القدس، أوقع هزيمة دبلوماسية نكراء بالسياسة الخارجية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ففي الاشهر الاخيرة يروي نتنياهو للصحافيين ولوزراء الحكومة بأن مكانة اسرائيل الدولية تغيرت، وأن "العالم" مل المشكلة الفلسطينية، وان قوة اسرائيل العسكرية والاقتصادية تجتذب اليها الدول العربية المحافظة التي تخاف مثلها من ايران ومن الاسلام الراديكالي، وأن لاسرائيل بديلا عن الدعم الاميركي في شكل قوى عظمى صاعدة مثل روسيا، الصين والهند. وبعد قليل، وعد نتنياهو، فان حتى "الاغلبية التلقائية" في صالح الفلسطينيين في الامم المتحدة ستتفكك. وفي لغة أقل نقاء، يدعي نتنياهو بان اسرائيل حصلت على إذن عالمي لمواصلة الاحتلال والاستيطان، وبوسع الفلسطينيين أن يذهبوا الى الجحيم.
وها هو جاء التصويت في "اليونسكو" على قرار وصف جبل البيت ومحيطه حسب الرواية الاسلامية، وذكر الاسرائيليين، بان حتى الحائط الغربي هو أرض محتلة حسب القانون الدولي. ولشدة الاهانة، وصفت ساحة الحائط بأنها "البراق"، ووضع الاسم العبري بين هلالين. وأيد هذا القرار أصدقاء نتنياهو الجدد من مصر، روسيا والصين، تشاد التي اقتربت من اسرائيل وفيتنام التي تشتري سلاحا اسرائيليا كثيرا. اليونان، التي يتباهى نتنياهو بتنمية الحلف معها، امتنعت ومثلها الهند. ومن عارض؟ الاصدقاء القدامى، الولايات المتحدة بقيادة باراك اوباما، بريطانيا وألمانيا. يتبين ان العالم لم يتغير؛ اسرائيل قد تكون مقبولة من خلف الستار وفي القنوات السرية، ولكن ما أن تشعل الانوار، حتى تعطى الشرعية للفلسطينيين، وأصدقائها القدامى هم الذين لا يزالون يعطونها الاسناد، رغم أن نتنياهو يتآمر على مساعيهم للوصول الى حل سياسي.
في غداة التصويت في "اليونسكو"، أجرى مجلس الامن نقاشا حول المستوطنات. قاطعت اسرائيل الجلسة كي لا تسمع الحقيقة التي صدحت من الحائط الى الحائط: المستوطنات تدمر الأمل في التسوية وتؤدي الى دولة واحدة. وتتردد الادارة الاميركية فيما اذا كانت ستنهي ولايتها بقرار من مجلس الامن، ينص على هذه الرسالة.
يستخف نتنياهو بالدبلوماسيين المهنيين ويقول انه لا حاجة لهم، طالما هو في الميدان (باراك ربيد، "هآرتس الجمعة"). والآن يتبين بأن لا غطاء لتبجحه. لقد انهار مفهومه الفكري وهو يقف مكشوفا أمام الاسرة الدولية التي تعارض سياسته للضم، وان الدعم الاميركي وحده هو الذي يحمي اسرائيل من خطوات أكثر حدة. وعمل نتنياهو في نهاية الاسبوع على استخدام الهزيمة في "اليونسكو" لاغراض داخلية، على نمط "العالم كله ضدنا". ولكن مظاهرات الدعم هذه عديمة القيمة. فلتحسين المكانة الدولية لاسرائيل يوجد شارة ثمن واضحة وثابتة: خطوات عملية لتلطيف حدة الاحتلال ومفاوضات جدية على اقامة فلسطين. كل ما يتبقى هو ذر للرماد في العيون وقص حكايات من رئيس الوزراء.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف