- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2016-10-20
فشل المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني في منع تدفق المهاجرين اليهود الاجانب إلى فلسطين ، الذين جاءوا إليها هرباً من الاضطهاد الاوروبي عموماً والنازي والفاشي خاصة ، أو جاءوا إلى فلسطين مستوطنين مستعمرين لدوافع عقائدية أو سياسية أو إستثمارية ، وسواء جاءوا من أجل هذا الهدف أو ذاك فقد عجزت الحركة السياسية الفلسطينية بكل مكوناتها وتوجهاتها من منع هؤلاء المهاجرين الاجانب من الاقامة والاستيطان والتوسع ، وهكذا أخفق الشعب العربي الفلسطيني ومعه كل العرب وحركاتهم السياسية وأنظمتهم الرسمية في منع تنفيذ وعد بلفور البريطاني ، لإقامة الوطن القومي لليهود على أرض فلسطين العربية ، ولكن مقابل هذا الفشل ، فشل أيضاً المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي من إستعمار فلسطين بدون شعبها ، حيث نجح الإسرائيليون بدعم بريطاني وأوروبي وأميركي ، في طرد نصف الشعب العربي الفلسطيني وتهجيره خارج وطنه الذي لا وطن له سواه ، وباتت المعادلة الديمغرافية متقاربة بين الشعبين بعد سبعين سنة من إستعمار فلسطين ، والاستيلاء الإسرائيلي على قرار الهجرة والسماح للإستيطان المفتوح وتقديم الاغراءات للمهاجرين الاجانب في العمل والتملك والاستثمار على أرض فلسطين ، رغم ذلك لم يتجاوز عدد اليهود الإسرائيليين كثيراً عن سبعة ملايين يهودي إسرائيلي يقابلهم حوالي ستة ملايين عربي فلسطيني على كامل أرض فلسطين في منطقتي الإحتلال الاولى عام 1948 ، والثانية عام 1967 ، على الرغم من كل ظروف القسوة والاضطهاد والتمييز ضد الفلسطينيين وجعل أرضهم طاردة لهم وطناً وأمناً وإستقراراً .
وطالما فشل الفلسطينيون في رمي الإسرائيليين إلى البحر ، وفشل الإسرائيليون في رمي الفلسطينيين إلى الصحراء ، لم يعد أمامهما ، بعد سجال الصراع بين الشعبين والمشروعين ، لم يعد أمامهما بعد فشل إنهاء أحدهما للأخر ، ومحاولة شطب وجود أحدهما لصالح الاخر ، وحصيلته صراع غير مثمر سوى مواصلة الموت والخراب ، وعديم الجدوى في التحقق والانجاز الاحادي على حساب إستئصال الثاني الاخر ، ولهذا بات عليهما البحث الجدي في إختيار أحد الخيارين الذي لا ثالث لهما ويقوم على معادلة تقاسم الارض ، أو تقاسم السلطة ، بينهما .
تقاسم الارض بإقامة دولتين للشعبين على الارض الواحدة لا غيرها ، أو تقاسم السلطة بين الشعبين في إطار دولة ديمقراطية واحدة ثنائية القومية ، عربية وعبرية ، متعددة الديانات من اليهود والمسلمين والمسيحيين والدروز ، تحتكم لإفرازات صنادق الاقتراع ونتائجها ، وبدون التوصل إلى رؤية موحدة من قبل الطرفين المتصارعين ، تضمن مصالحهما المتداخلة بالامن والاستقرار والتعايش والشراكة ، بعد فشلهما الاكيد في خيار العزلة عن بعضهم البعض ، وفي مواصلة الصراع الدموي المعلن والمستتر ، والمتقطع والمستمر ، بعد أن ثبت أن لا طائل منه وله .
والمشروعان الدولة الواحدة للشعبين والدولتان للشعبين ، ليسا بجديدين ولم يتحقق أي منهما ، بعد سنوات مديدة من النضال الفلسطيني ، ليس لأن المشروعين غير واقعيين وإستحالة تحقيقهما ، في دولة واحدة أو عبر دولتين ، بل لأن الطرفين فشلا في صياغة حركة سياسية متحالفة متداخلة في الادوات وأشكال العمل ، لتحقيق أحد الهدفين الدولة أو الدولتين .
الصراع محتدم وقوي وحاد بين مشروعي الشعبين : بين المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، والمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي لأن أحدهما نقيض الاخر ، ولكن يبقى السؤال بعد فشل كل منهما في إنهاء الاخر وإستئصاله هل ثمة رؤية سياسية عابرة من أحدهما أو متبادلة من كليهما في إختراق قناعة الاخر ورغبته الاحادية ؟؟ هل ثمة رؤية سياسية مشتركة لدى أحدهما تعكس الحفاظ على مصالح ورغبة الاخر ، وأن يعيشا معاً وسوياً على الارض الواحدة بخيار الدولتين ، أو خيار الدولة الواحدة ؟؟ .
إذن العامل الاول المطلوب هو توفر رؤية سياسية من قبل أحدهما أو من كليهما تحفظ المصالح المتبادلة والرغبة المشتركة في إلغاء الخيار الاحادي المنفرد في أن يكون إحدهما قائماً وقوياً ومتنفذاً على حساب الاخر ، ورغم تفوق المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي المدعوم أميركياً وأوروبياً ومن طوائف اليهود النافذة في العالم ، ولكنه فشل بشكل واضح وصارخ من تحقيق كامل أهدافه الاستعمارية في طرد الشعب الفلسطيني عن وطنه ، ومن تحول فلسطين إلى إسرائيل .
أما العامل الثاني والاكثر أهمية وهو العمل التنظيمي الحزبي على الارض وفي الميدان ، ووسط الناس ومن رحمهما لولادة تنظيمات سياسية مشتركة ، عابرة للشعبين وللقوميتين ، وتحالفات مكملة في مواجهة العزلة والاحادية ورفض الاخر ، وهناك تجارب في هذا المجال ، سواء من قبل الاحزاب الصهيونية التي جندت البعض لصالحها ومنهم نواباً في البرلمان يعملون وفق رؤى الاحزاب الصهيونية ، وهناك تجربة الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ، والتنظيمان يقفان متحدين ضد المشروع الصهيوني وضد الإحتلال ، ويعبران عن مصالح الطرفين بشكل واقعي يتوسل العدل والانصاف ، ولكن لا هذا ولا ذاك يمكن أن يوفر الفرصة الحقيقية لتحقيق التطلعات والاهداف الفلسطينية ، لأن الوضع يحتاج إلى ما هو أكبر من ذلك وأفعل من قبل كل الفصائل الفلسطينية لتكون سياسة إختراق المجتمع الإسرائيلي ، سياسة منهجية تنظيمية متفق عليها تُعط الاثر المطلوب وتنحت في صخر العنصرية الصهيونية الإسرائيلية اليهودية لتبديدها ، ليكون هناك حقاً إستجابة للفعل الفلسطيني نحو إقامة الدولتين أو الدولة الواحدة .