الآن، عشية الذكرى الحادية والعشرين لاغتيال إسحق رابين، ينبغي أن نجري مرة وإلى الأبد حساب الدم. فهذا الحساب يظهر أن «جريمة أوسلو» هي المذبحة في الحرم الإبراهيمي، و»مجرمي أوسلو» هم رجال اليمين الذين استغلوا الدم الذي سفك كانتقام على المذبحة، وقادوا التحريض الذي أدى إلى اغتيال رابين.
حكومة رابين، التي أقيمت في تموز 1992، أدت إلى انخفاض دراماتيكي في العمليات، مقابل نحو 105 قتلى في العام 1991 في عهد حكومة شامير، كان في العام 1992 ما مجموعه 31 قتيلاً (8 بعد قيام حكومة رابين)، وفي 1993، قبل اتفاق أوسلو، قتل 26. فقد أدى الاعتدال السياسي إلى تقليص ما في العنف. هكذا أيضاً في الأيام التي تلقت التوقع على الاتفاق، حتى المذبحة في الحرم الإبراهيمي.
عشية اتفاق أوسلو تم تبادل الرسائل بين إسحق رابين وياسر عرفات، والتي اعترف فيها عرفات بحق إسرائيل في العيش بسلام وبأمن، وأعلن هجر طريق «الإرهاب» والبحث عن حل سلمي، إلى جانب اعترافه بقراري الأمم المتحدة 242 و338. لقد خلق اتفاق أوسلو وضعاً جديداً: عشرات العمليات التي جاءت بعده نفذها أساساً معارضو عرفات من رجال «حماس» و»الجهاد الإسلامي». وشارك رجال م.ت.ف في عمليات قليلة من أصل أكثر من 60 نفذت منذ اتفاق أوسلو وحتى اغتيال رابين، وليس في أي من العمليات الجماعية التي هزت إسرائيل.
بعد نحو أسبوع من التوقيع على اتفاق أوسلو (في 13/9/1993)، بدأت سلسلة من 22 عملية استمرت حتى 19 شباط 1994، وقتل فيها 29 إسرائيلياً، منهم نحو 20 في «المناطق» و10 داخل إسرائيل. واحدة من العمليات نفذها رجال «فتح» (اختطاف وقتل حاييم مزراحي في 29 تشرين الأول 1993)، وكل الباقي نفذها رجال «الجهاد»، «حماس»، والجبهة الشعبية. وفي خمس من العمليات لم يشخص انتماء للمنفذ.
تغير كل هذا في 25 شباط 1994، يوم المذبحة في الحرم الإبراهيمي، القتل القومي المتطرف الأخطر منذ 1967. فهل كان دافع باروخ غولدشتاين – الذي دخل الحرم في عيد البوريم (المساخر) وأطلق النار بلا تمييز على مئات المصلين المسلمين، فقتل 29 منهم وجرح أكثر من 100 –الرغبة في الانتقام أم التطلع إلى فتح دائرة من انتقامات الدم؟ «الدم اليهودي» أصبح وسيلة لنيل البناء والميزانية للمستوطنات وضخ الجنود، من أجل أن يرى الفلسطينيون أن «الحكومة معنا» فيخافوا.
منذ سنين عديدة، يعمل «قانون العملية والرد» في «المناطق»، وبموجبه يستفز المستوطنون الفلسطينيين، يأملون بانتقام فلسطيني ويستغلونه لمزيد من السيطرة. ولكن رد الفعل الشرطي هذا على الدم اليهودي يتم فقط عندما تكون عملية في «المناطق»، لا داخل دولة إسرائيل.
ولم تتأخر ردود الفعل على المذبحة. فقد خططت حكومة إسرائيل لتخلي جزءاً من مستوطني الخليل كي توقف ردود الانتقام، ولكنها امتنعت أمام حملة الدعاية للمستوطنين تحت شعار «الخليل منذ الأزل وإلى الأبد». وضخت قوات غفيرة إلى «المناطق»، وبعد شهر من المذبحة قتل العديد من الفلسطينيين وأصيب المئات. فالتواجد المكثف للجيش الإسرائيلي في «المناطق» دفع أعمال الانتقام الفلسطينية إلى داخل دولة إسرائيل، بينما بقي المستوطنون محميين. بين نهاية آذار 1994 وحتى اغتيال رابين في 4 تشرين الثاني 1995، نفذ نحو 40 عملية رد على المذبحة: نحو نصفها داخل إسرائيل، حيث قتل 87 شخصاً، منهم 75 في 7 عمليات جماعية. في هذه الفترة الزمنية قتل 30 شخصاً في «المناطق»، في 23 عملية. في أعقاب تعزيز تواجد الجيش الإسرائيلي لحماية المستوطنين، بات سكان إسرائيل عرضة للانتقام الفلسطيني.
عملية واحدة فقط من الـ 40 عملية نفذها شرطي فلسطيني – قتل جاك أتياس في 25 تموز 1994. أما باقي العمليات فقد قام بها رجال «حماس»، «الجهاد الإسلامي»، والجبهة الشعبية. لم يمنع هذا نتنياهو من اتهام عرفات واتفاق أوسلو بالعمليات. فقد امتطى نتنياهو نمر الدماء في مفترق رعنانا مع تابوت الدفن وحبل المشنقة لإسحق رابين، ووقف على رأس المظاهرة في ميدان صهيون، التي لم تجد المفاسد التي ظهرت فيها رداً منه من الشرفة.
المستوطنون، الذين أصيبوا بالأذى بقدر أقل من سكان إسرائيل، استغلوا العمليات، ومن أجل إثارة الدم ثبتوا اصطلاح «مجرمي أوسلو»، الذي ألصقوه برابين وشمعون بيريس. ونقل تحريض نتنياهو واليمين الاستيطاني الصراع إلى مستويات قومية متطرفة، وبالتوازي عمل يغئال عمير على إعداد الاغتيال. وبدا ضعف رابين حيال المستوطنين بأثر رجعي كتوقيع على حكم الإعدام له. بعد الاغتيال واصلوا التحريض ضد بيريس في أيام العمليات القاسية على نحو خاص في الذكرى السنوية الثانية للمذبحة – 45 قتيلاً في خط 18 في القدس و13 قتيلاً في مركز تل أبيب، وكل هذه في أسبوع واحد. وواصل التحريض حتى الانتخابات، التي تمثلت بالشعار الحيادي «نتنياهو جيد لليهود».
التضليل، الكذب، والخداع التي كانت في قلب نشاط اليمين ضد اتفاق أوسلو تبرز على نحو خاص بعد صعود نتنياهو إلى الحكم. فرغم عشرات العمليات، بعضها قاسية على نحو خاص – 16 قتيلاً و178 جريحاً في سوق محنيه يهودا في 30 تموز 1997، و5 قتلى و181 جريحاً في شارع بن يهودا في القدس في 4 أيلول 1997 – لم يطالب أحد بإسقاط نتنياهو.
اليمين مدين لغولدشتاين بتصفية «أوسلو»، اغتيال رابين، وصعود نتنياهو. والدرس: كل تسوية في المستقبل من شأنها أن تجلب بدء دائرة دموية على أيدي المستوطنين ومؤيديهم. أعمال المستوطنين واليمين تؤدي بإسرائيل إلى شفا الهاوية وينبغي العودة لنقول هذه السنة أيضا: لن ننسى ولن نغفر.
*من مؤسسي حركة «المساواة – منظمة منع العنصرية والأبرتهايد في إسرائيل».

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف