- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2016-11-10
يصعب على المراقب أن يتذكر مرحلة عاشتها الحالة الفلسطينية، ما بعد أوسلو، شهدت فيها مثل هذه التوترات، والإنشغالات الداخلية، والإرباكات السياسية، على حساب التفرغ لمواجهة الإحتلال والإستيطان، ومشاريع توسيعه، على يد حكومة نتنياهو، بما في ذلك سن قانون لتبيض البؤر الإستيطانية التي نصت وثيقة ميتشل الشهيرة بأنها «غير قانونية» ودعت إلى تفكيكها.
حالة التوتر والإرباك سببها، أولاً، وصول العملية التفاوضية إلى الطريق المسدود، بإعتراف أصحابها أنفسهم. وإذا كانوا لا يعبرون عن هذا «الإعتراف»، بكلام علني، إلا أنهم يعبرون عنه بسلوكهم اليومي، وردات فعلهم السياسية على مجريات الأمور.
الأميركيون غير مبالين بتطورات الحالة الفلسطينية. ونتنياهو مندفع في إجراءاته التوسعية، وحتى المشروع الفرنسي، الذي لم يجد ترحيباً أميركياً، بات مرفوضاً علناً على لسان نتنياهو وفريقه. ومع ذلك تصر القيادة الفلسطينية على التمسك بالمبادرة الفرنسية، (رغم أنف نتنياهو!) علماً أنها تقوم على مبدأ جمع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي مجدداً إلى طاولة المفاوضات تحت مظلة دولية لا تملك صلاحية التدخل في جدول أعمال المفاوضات وآلياتها، تاركة للطرفين أن يفعلا ذلك، في ظل إختلال فاضح لصالح الإسرائيليين.
والتحرك نحو مجلس الأمن الدولي، ونحو محكمة الجنايات الدولية، لرفع الشكاوي ضد الإستيطان، وحصار غزة، والأسر الجماعي للفلسطينيين، مجمد حتى إشعار آخر، مرة بذريعة عدم التشويش على المبادرة الفرنسية، ومرة أخرى بذريعة الرضوخ لضغوط عربية وأميركية، لإنشغال البيت الأبيض، ومعه كل الولايات المتحدة، بإنتخاباتها الرئاسية.
وقرارات المجلس المركزي (5/3/2015) هي الأخرى معطلة، وقد ذهبت أدراج الرياح كل التهديدات والتحذيرات، إن على منبر الأمم المتحدة، أو على الفضائيات بوقف الإلتزام بإتفاق أوسلو وملحقاته إذا لم تلتزم بها حكومة نتنياهو. نتنياهو وحكومته يضربان بعرض الحائط بكل الإتفاقات، ومازالت السلطة تلتزمها، بما في ذلك تطوير التعاون الأمني مع سلطات الإحتلال، وآخرها، كما كشفت بعض المصادر، الإشتراك في إحباط عملية كان يحضر لها عدد من الشبان الفلسطينيين في الضفة.
يزيد الحالة إرباكاً الوضع داخل حركة فتح، في سياق تحضيرها لمؤتمرها السابع المنوي عقده في نهاية الشهر الحالي. ورغم أن بعض الناطقين بإسمها لا يكفون عن التصريح بأن كل شيء على ما يرام، وبأن اللجنة التحضيرية برئاسة أبو مازن بدأت بوضع اللمسات الأخيرة على الأعمال التحضيرية، إلا أن ما يتم الكشف عنه يومياً يؤكد أن الأمور ليست على ما يرام، وأن الطريق إلى المؤتمر ما زالت محفوفة بالمخاطر والصعوبات، وأن الخلافات مازالت مستعرة بين الصفوف، حتى أن البعض لا يستبعد حصول «مفاجآت» داخل المؤتمر.
* * *
المؤشر الأول على ذلك لجوء أبو مازن إلى سلاح المحكمة الدستورية لحسم معركته مع دحلان وإخوانه، عبر تجريده من حصانته البرلمانية، بموجب صلاحية منحته إياها المحاكمة الدستورية، مازالت حتى الآن موضع خلاف شديد في الساحة الفلسطينية. فقد عارضت قرار المحكمة الدستورية القوى الرئيسية في الساحة الفلسطينية، بما في ذلك 15 نائباً (حتى الآن) من حركة فتح نفسها، إلى جانب قوى مستقلة من داخل التشريعي وخارجه. وإذا ما تتبعنا بعض التصريحات السياسية لأعضاء في اللجنة المركزية لحركة فتح، للاحظنا أنها تتناقض بشكل واضح وصريح مع سياسات السلطة. ما يعني أن اللجنة المركزية للحركة لم تعد مجمعة على توجه سياسي موحد، بل تتنازعها عدة توجهات، بعضها يلتحق على الدوام بمواقف أبو مازن، وبعضها الآخر يتعارض معه، وصولاً إلى التطابق مع المواقف الداعية إلى تنفيذ قرارات المجلس المركزي، والعودة عن إتفاق أوسلو، وإستعادة البرنامج الوطني كأساس سياسي بديل للمرحلة القادمة.
لذلك تفاوتت التقديرات بشأن ما سوف يصدر عن مؤتمر فتح من توجهات سياسية، علماً أنها تقديرات تصدر من داخل فتح نفسها، ما يؤكد أن هناك حراكاً سياسياً داخل الحركة، يتساءل الكثيرون إذا كان المؤتمر السابع سوف يوفر الفرصة الضرورية لتحويل هذا الحراك إلى نقاش ديمقراطي يخلص إلى سياسات بديلة، أم أن قبضة «السلطة» وقبضة مؤسسة الرئاسة سوف تكون أقوى من كل محاولات التجديد والتطوير.
* * *
وفي السياق نفسه، بات طبيعياً أن يتم الحديث عن ما يسمى «باليوم التالي لما بعد عباس». وبات الحديث عن رحيل أبو مازن كلاماً عادياً، علماً أن هذا الأمر لم يقع سابقاً مع الرئيس الراحل ياسر عرفات حتى بعد نقله إلى العلاج في فرنسا. فالكل كان يتحدث عن عودة عرفات إلى رام الله معافى.
ونعتقد أن الحديث عن رحيل عباس، في المحافل الفلسطينية، تحكمه خلفيات سياسية، حتى أن فتح نفسها باتت تتحدث بوضوح عن إختيار نواب لعباس، داخل فتح، وفي السلطة، وفي م.ت.ف، بسبب طبيعة المرحلة التي تعيشها الحالة الفلسطينية. وكأننا بتنا في نهاية مرحلة، وعلى وشك الدخول إلى مرحلة جديدة، تحتاج إلى فريق جديد يقوم بأعبائها.
سياسياً، تؤكد الوقائع أننا بتنا في نهاية المرحلة. أوسلو إلى الطريق المسدود. الإنقسام في غزة فشل في تحقيق مشروعه البديل للسلطة في رام الله، وبدأ يتحدث عن إنهاء الإنقسام والعودة إلى الوحدة الداخلية، وصارت حماس تتحدث بصراحة عن عزمها دخول م.ت.ف. وفتح، التي تقدم نفسها بإعتبارها الطرف الأقوى في الساحة الفلسطينية، باتت على مفترق طرق. وأهمية هذا على الصعيد الوطني أنها ممسكة بزمام العديد من الأمور في المؤسسة الفلسطينية، في السلطة وفي م.ت.ف وبالتالي فإن أية إتجاهات وتوجهات سوف تتبناها فتح سوف يكون لها إنعكاسها على الحالة الفلسطينية، سلباً أو إيجاباً.
والفصائل اليسارية مازالت تبحث وتتشاور ليرسو «التحالف الديمقراطي» الذي تقدمت من خلاله إلى الإنتخابات البلدية، بإعتباره مشروعاً سياسياً وليس مجرد تحالف إنتخابي. ونجاح هذا الإتجاه معناه ولادة القطب الثالث لإحداث التوازن بين القطبين الأخرين، فتح وحماس، ولكسر حدة الإستقطاب الثنائي.
نهاية مرحلة، تحتاج للخروج الآمن منها، والدخول الآمن لمرحلة جديدة، لحوار وطني حقيقي، بعيداً عن التكاذب، يضع النقاط على الحروف، ويعيد يرسم توجهات العمل الوطني، مستفيداً من تلك الإتفاقات التي تم التوصل إليها في محطات حوارية مهمة، في رام الله وغزة، والقاهرة.
لا يكمن الخطر في الإرباك والتوتر الذي تشهده الحالة الفلسطينية. الخطر أن لا ننظر إلى هذا الإرباك بإعتباره ظاهرة سياسية تحتاج إلى معالجات وطنية، وأن يكتفي البعض بالنظر إليه على أنه مجرد «مؤامرة». وهنا الكارثة