لاشك أن التقييم الموضوعى للسياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية يقودنى الى مقولة واحدة مفادها أن هناك التزاماً تاماً من جانب الولايات المتحدة بالحفاظ على أمن اسرائيل مهما كانت التحديات الاقليمية والدولية , مع تأييد اقامة دولة فلسطينية بما لا يتعارض مع متطلبات الأمن الاسرائيلى , وهذا هو المبدأ الرئيسى الذى تتبناه أي ادارة أمريكية سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية . وحتى يكون تحليلى أكثر منطقية لابد لى أن أبدأ بالتذكير بالاتفاق الذى وقعته ادارة الرئيس أوباما (الديمقراطية) مع اسرائيل فى سبتمبر 2016 والذى وصفه نيتانياهو بالاتفاق التاريخى والذى التزمت واشنطن بمقتضاه بتقديم حزمة مساعدات عسكرية لاسرائيل بقيمة 38 مليار دولار على عشر سنوات وهى أكبر صفقة فى تاريخ العلاقات العسكرية بين الدولتين . هذه المقدمة كانت ضرورية حتى تكون الصورة أكثر وضوحاً أمامنا فلا يمكننى القول إن هناك ادارة أمريكية سيئة وأخرى جيدة ولكن هناك ادارة تهدف فى جميع الأحوال الى تحقيق المصالح الأمريكية أساساً , وهو الأمر الذى تبلور بشكل واضح فى سياسات الادارات الجمهورية والديمقراطية تجاه القضية الفلسطينية . وحتى نكون منصفين علينا الاشارة الى بعض المحطات البارزة التى قدمتها الادارات الأمريكية المتعاقبة للقضية الفلسطينية وذلك كما يلى : - 1ـ إن جميع الإدارات الأمريكية رفضت تنفيذ قرار مجلس الشيوخ الصادر عام 1995 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس رغم أن الوعود التى قدمها الرؤساء الأمريكيون خلال حملاتهم الانتخابية كانت قاطعة بالموافقة على عملية النقل فى حالة توليهم الرئاسة . 2ـ إن ادارة الرئيس بوش الأب (الجمهورية) هى التى نجحت فى عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 وأجبرت اسرائيل على المشاركة فيه وجمعت جميع أطراف الصراع العربى الاسرائيلى معا لأول مرة , كما أن ادارة الرئيس بوش (الابن) هى التى تبنت فى اطار الرباعية الدولية مبدأ حل الدولتين فى وثيقة (خريطة الطريق) التى صدرت فى ابريل 2003 وسلمتها للجانبين الفلسطينى والاسرائيلى . 3ـ إن ادارة الرئيس كلينتون (الديمقراطية) هى التى راعت اتفاقات أوسلو منذ عام 1993 والتى ساهمت فى عودة السلطة الفلسطينية الى الداخل وانسحاب اسرائيل من بعض المناطق الفلسطينية ووضعت اللبنة الأولى لاقامة الدولة , ثم عقد الرئيس كلينتون مؤتمر كامب ديفيد/ 2 فى يوليو عام 2000 وبلور رؤية متكاملة لحل القضية الفلسطينية ولكنها لم تخرج الى حيز التنفيذ . وبالرغم من الجهد الذى بذلته الولايات المتحدة تبقى جميع الادارات الأمريكية وبلا استثناء وعلى مدار أكثر من ستة عقود مقصرة فى أن جهودها ورؤاها لم تنجح فى أن تؤدى الى قيام دولة فلسطينية مستقلة وذلك لأسباب مختلفة يأتى على رأسها عدم قيامها بالضغط اللازم على اسرائيل لتقديم المرونة المطلوبة بالاضافة الى ان بعض الأفكار الأمريكية لم تكن تتناسب مع الثوابت الفلسطينية المعروفة . وأرجو ألا نكون شديدى التفاؤل أو التشاؤم من السياسة الأمريكية المنتظرة تجاه القضية الفلسطينية خاصة اذا أخذنا فى الاعتبار المحددات الأربعة التالية : - 1ـ إن التصريحات التى أدلى بها ترامب خلال حملته الانتخابية ليس شرطاً أن يتم تنفيذها كلها وهو نفس ما حدث مع كافة الرؤساء السابقين . 2ـ إن جميع المؤشرات تؤكد أن الدعم الذى سيقدمه ترامب لاسرائيل سيكون غير محدود لاسيما مع تصريحاته التى أدلى بها بعد فوزه (اسرائيل هى الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط لا يمكن فرض الحل السياسى على اسرائيل ) . 3ـ إن الإدارات الأمريكية السابقة فشلت فى أن تصل بوساطاتها وتحركاتها المكثفة فى المنطقة الى اقامة الدولة الفلسطينية, وبالتالي يجب ألا نعلق آمالاً عريضة على أن تشهد فترة ترامب اقامة الدولة دون أن يثنينا ذلك عن ضرورة بذل كل الجهود المطلوبة للوصول الى هذا الهدف . 4ـ إن ادارة الرئيس الأمريكى المنتخب ليست لديها الخبرة السياسية التراكمية فى الملف الفلسطينى, وبالتالى سوف تأخذ وقتاً ليس بالقصير حتى تبدأ التحرك الاستكشافى لفهم المواقف ثم يتلوها التحرك الجاد اذا ما كان لديها قرار بذلك وطبقاً للأولويات التى سوف تكون مثارة فى المنطقة فى هذا الوقت. وفى تقديرى أن تحرك الادارة الأمريكية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية لن يكون سريعاً فى ضوء الأولويات الداخلية والخارجية التى سيركز عليها ترامب, كما أن الرئيس المنتخب يستبعد تماماً فكرة ممارسة الضغوط على اسرائيل خاصة من المجتمع الدولى وبالتالى سوف تقف واشنطن متصدية لأي قرارات ضد اسرائيل فى مجلس الأمن ولن تتفاعل مع فكرة المؤتمر الدولى للسلام طبقاً للمبادرة الفرنسية المطروحة . وفى ضوء ما سبق علينا أن نبلور من الآن الخطوات التى يمكن للجانبين الفلسطينى والعربى انتهاجها بهدف تحديد كيفية التعامل مع سياسة ترامب تجاه القضية الفلسطينية , وحبذا لو تم ذلك فى أقرب فرصة متاحة ومن خلال قنوات التواصل القائمة والممكنة ويمكننا التحرك استناداً إلى المحاور الثلاثة التالية : - 1 - أهمية استثمار ما صرح به ترامب أخيرا بأنه سوف يسعى الى تحقيق السلام مع الجانبين الفلسطينى والاسرائيلى, ومن ثم فإن قناعته بأهمية التفاوض الثنائى للوصول الى حل سياسى يجب أن تكون نقطة انطلاقنا استناداً على مبدأ حل الدولتين والمرجعيات المعروفة والمقبولة . 3ـ أن ترامب يتبنى بشكل غير مسبوق مبدأ محاربة الارهاب أينما كان وهو الأمر الذى يفتح لنا المجال أمام ضرورة توضيح أن هناك بعض السياسات التى ان تم انتهاجها من جانب واشنطن فسوف تؤدى الى تفجير الوضع الأمنى فى المناطق الفلسطينية (نقل السفارة الأمريكية الى القدس، الصمت أمام الانتهاكات الاسرائيلية للمسجد الاقصى، تأييد سياسة الاستيطان - استمرار انسداد الأفق السياسى أمام الشعب الفلسطينى لحل قضيته واقامة دولته) . 3ـ ضرورة التحرك العربى مع الادارة الأمريكية الجديدة لاعادة طرح المبادرة العربية للسلام (قمة بيروت 2002) بآليات عملية مقبولة باعتبارها الرؤية المتوافق عليها عربياً لحل الصراع العربى الاسرائيلى كله وليس القضية الفلسطينية فقط .

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف