من الصعب احصاء كل القصورات والتشويهات طويلة السنين التي تميز معالجة الدولة لمسألة البؤر الاستيطانية العشوائية في المناطق. ولكن يخيل أن الحكومة الحالية تنجح في التعالي عليها جميعها، وتضرب أرقاما قياسية جديدة. فقد أقرت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع قانون التسوية المعد لتسويغ بؤر استيطانية غير قانونية، بنيت على ارض فلسطينية خاصة. فحسب القانون، تصادر الدولة حق الاستخدام للارض الفلسطينية الخاصة وليس مجرد الملكية عليها. وهو ينطبق على مستوطنات كانت مشاركة حكومية في اقامتها، مثل بؤرة عمونة. ويفترض بالاجراء أن يمنح للمستوطنين الذين يسكنون في هذه البؤر حجة البراءة. والفلسطينيون الذين يثبتون ملكيتهم على الاراضي ينالون، حسب القانون، تعويضا ماليا زائدا. وتستهدف هذه الاعمال القانونية واللفظية اخفاء الهدف الرئيس للقانون: افراغ معنى كلمات ملكية فلسطينية من مضمونها، في ظل فرض القانون الاسرائيلي في المناطق. ان معنى هذا القانون هو خراب سلطة القانون ومنح إذن رسمي للسطو الجماعي على الاراضي وهو يقف على نقيض من القانون الدولي وموقف المحكمة العليا، التي يعلق قرارها في قضية عمونة، بل وردت أمس طلبا بتأجيل حل البؤرة، وبخلاف موقف المستشار القانوني الذي أعلن بانه لا يمكنه ان يدافع عن قانون التسوية امام محكمة العدل العليا، لانه غير دستوري. في واقع الامر تعلن اسرائيل للفلسطينيين وللعالم بان في نيتها تبييض جرائم الاحتلال. ومن شأن الامر أن يكلفها ورطة سياسية، ولا سيما على خلفية دخول رئيس جديد الى البيت الابيض. وسيشجع القانون الفلسطينيين على التوجه الى مجلس الامن، ويدحر الولايات المتحدة الى زاوية تجد صعوبة ان تدافع منها عن اسرائيل من خلال طقس استخدام الفيتو المعروف. غير أن هذه الاضرار الجسيمة لا تعني الثنائي بنيامين نتنياهو – نفتالي بينيت اللذين يكافحان على قلب بضع عشرات الاف المستوطنين. نتنياهو الذي يمتلىء جسارة وبطولة عند الحاجة للانفلات بالسم على الصحافيين، يجره من أنفه بينيت الذي بنفسه استسلم للمتطرفين من بين ناخبيه. رئيس الوزراء لا ينجح في فرض إمرته على وزرائه الذين ايدوا قانونا يعارضه هو. صحيح أن نتنياهو يأمل ان تقوم محكمة العدل العليا عنه «بالعمل الوسخ» فتشطب القانون وتجبر الحكومة على أن تفكيك عمونة أخيرا. ولكن هذا السلوك يؤكد فقط أزمة الزعامة لديه: زعيم يختبىء خلف محكمة العدل العليا بثمن اساءة سمعتها وكشفها لهجمات اليمين المتطرف، ويترك لمصيره صالح الدولة في أيدي مجموعة صاخبة من المستوطنين في ظل تعريض أمنها ومكانتها الدبلوماسية للخطر – ليس جديرا لان يكون رئيس وزراء. قانون التسوية يجب رده فورا، لانه غير أخلاقي ولانه يقف على نقيض من مصالح أغلبية مواطني الدولة. محظور الاستسلام لنزوات حفنة صاخبة ومبتزة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف