هتافات الفرح، التي انطلقت من شارع بلفور وحتى «فتيان التلال»، بعد فوز دونالد ترامب، الرجل عديم المبادئ والقيم الليبرالية، مبررة. فأخيرا سيكون في واشنطن رئيس لن يلجم اندفاع هذه الحكومة نحو توسيع المستوطنات في الضفة، الضم بحكم الأمر الواقع لـ «مناطق ج» وإقامة دولة ثنائية القومية. وستلقى سياسة الاحتلال أغلب الظن الشرعية من الولايات المتحدة. فترامب، الذي يؤمن بالولايات المتحدة أولا وبالانعزال عن العالم، لا يهمه أن تفقد إسرائيل عقلها في كل ما يتعلق بهويتها اليهودية والديمقراطية. يفهم اليمين الاسرائيلي ويعرف ترامب. فهو مصنوع من ذات الـ «دي.أن.ايه» السياسي: يمين قومي متطرف، يكره الأجانب، عنصري تجاه المسلمين وسميك الجلدة، يمقت النخب الليبرالية ووسائل الإعلام ويحتقر الديمقراطية. الدافع السياسي لليمين الاسرائيلي والأميركي هو الحكم مع متلازم التفوق على حساب الاخر، الاشتباه بالغريب واتهام اليسار بكونه طابورا خامسا غير وطني. كان هناك رئيسان أميركيان جيدان لاسرائيل هما بيل كلينتون وبراك أوباما، حيث كانا متعاطفين مع إسرائيل، حرصا على أمن إسرائيل بمساعدة غير مسبوقة، ولكنهما حرصا أيضا على العمود الفقري الاخلاقي لاسرائيل، كي تحافظ على هويتها اليهودية الديمقراطية. كانا رئيسين محبوبين في الولايات المتحدة وفي العالم، وساهما في أن تكون إسرائيل جزءاً من أسرة الشعوب. لقد كان الحلف مع الولايات المتحدة في ظل كلينتون وأوباما جيداً في نظر أصدقائنا في العالم وأخاف أعداءنا. هذه ليست حالة ترامب. بسبب سياسته ذات نزعة القوة والمحافظة الدينية داخل أميركا، ستكون الولايات المتحدة منعزلة. الكثير من العداء المناهض لأميركا سينشب في أرجاء العالم، في اوروبا وفي العالم العربي. أصدقاؤه سيكونون روسيا وإسرائيل. سنكون أكثر عزلة مما في الماضي، وسنخاطر بالمقاطعات. ترامب سيئ لاسرائيل، قبل كل شيء لأنه سيئ لأميركا. فهو سيسير بأميركا الى الوراء اقتصاديا، اجتماعيا، وقيميا. وسيغريه التدخل عسكريا في مناطق النزاع. ستكون أميركا منقسمة من الداخل، بين الليبراليين والمحافظين، بين البيض والسود. سيعقد ترامب على ما يبدو حلفا مع بوتين، وسيعترف بنظام الأسد، المتعاون مع إيران. في عهد ترامب بالفعل لن تكون مسيرة سلمية. الفلسطينيون سييأسون، باسناد عربي، والعنف سيتصاعد فقط. مشروع الاستيطان سيتصاعد، وترامب يمكنه أن يدشن الدولة ثنائية القومية. إسرائيل بحاجة الى رئيس أميركي يتبنى قيم الدستور الأميركي ووثيقة الاستقلال. رئيس يجعل الولايات المتحدة الزعيم الحقيقي للعالم الحر. اليوم يتحدث الناس عن أن المستشارة الالمانية، أنجيلا ميركيل، سترث مكان الرئيس الأميركي في قيادة العالم الحر. مطلوب زعيم يبادر الى مسيرة سلمية ويلجم الاندفاع نحو الهدم الذاتي للرؤيا الصهيونية الديمقراطية. على مدى السنوات الاربع القادمة سيكون العبء ملقى على إسرائيل: أن تصحو وتتجه نحو مزيد من الديمقراطية ونحو سلام مع دولة فلسطينية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف