لا تتأثر إسرائيل بتعيين عنصريين لاساميين في مناصب عليا في حاشية دونالد ترامب. ولا احتجاج على ذلك. أولاً، ليس في أيدينا أن نغير هذا. فتعلقنا المطلق بالولايات المتحدة يستوجب منا ان نعض على نواجذنا ونتجلد. ثانيا، الفكر الذي يتبنى التفوق الابيض يتناسب ومصالح حكومتنا. فاذا كان نفور رجال ترامب من العرب يفوق نفورهم من اليهود (الليبراليين، رجال «وول ستريت»، الصحافيين من الشاطئ الشرقي، محبي السود، أصدقاء هيلاري) فإننا نكون عقدنا صفقة غير سيئة. فترامب ورفاقه يرون في إسرائيل موقعا متقدما في مواجهة البرابرة، وهم ليسوا دقيقي التشخيص. لإحقاق العدل مع حكومة نتنياهو نتحفظ ونقول انه في الصهيونية بكل أجنحتها يسود الفكر بأن معدلا معينا من اللاسامية يخدم المشروع الصهيوني. وبحدة أكبر: اللاسامية هي مثيرة الصهيونية وحليفتها. فاليهود بجموعهم ينزحون من اماكن سكناهم فقط عندما يهتز وضعهم الاقتصادي وامنهم الشخصي. اليهود بجموعهم يُدفعون الى هنا ولا ينجذبون الى هنا. فليس بوسع الامنية لبلاد صهيون والقدس أن تحرك ملايين اليهود الى بلاد أمانيهم والتمسك باراضيها. ولما كان اليهود في اسرائيل يتمنون مهاجرين ذوي صلة ما بأبناء شعبهم، ولما كانت كل ايديولوجيا بما فيها الصهيونية بحاجة الى تبرير مستمر، يعشعش في قلوبنا أمل دفين بأن موجة معتدلة من اللاسامية، مضافاً اليها تضعضع للوضع الاقتصادي في بلاد إقامتهم، ستدفع يهود المنفى الى الفهم بان مكانهم هنا. هل ثمة حاجة الى اثباتات؟ لن يشكك أحد بالقول إن ازدهار اللاسامية في فرنسا أثارت لدينا بعض الرضا، وهي بمثابة «أفلم نحذركم». لم يتردد ارئيل شارون في الاعلان عن ذلك، فأثار حكومة فرنسا والكثير من اليهود ممن يرون أنفسهم فرنسيين بلا شروط. آلاف اليهود من فرنسا يتعاطون مع اسرائيل كقارب نجاة، كشهادة تأمين، اشتروا هنا شققا فرفعوا اسعار العقارات في مدن الشاطئ. هذا جيد. هذا يثبت بأن الصهيونية كانت محقة. كما أن أحداً لن ينفي ان الازمة الاقتصادية في الامبراطورية السوفياتية، مضافا اليها اللاسامية التي تعشعش هناك، هما اللتان دفعتا الى هجرة نحو مليون يهودي وأقربائهم غير اليهود الى البلاد، بينما ينقطع معظمهم عن كل صلة بالثقافة اليهودية. كما أنه لا مجال لرفض الحقيقة المحرجة بان إسرائيل عملت على إغلاق بوابات الولايات المتحدة، التي كان فتحها على مصراعيها كفيلا بان يوجه الى هناك الكثيرين منهم وربما معظمهم. ليست رفاهية المهاجرين اليهود هي التي تقف أمام ناظرينا بل ترسيخ أركان الدولة. وبالطبع فان عمل الاغلاق والتوجيه الى البلاد مشكوك فيه من ناحية أخلاقية، ولكنه تبرره الايديولوجيا الصهيونية التي تقضي بان تطبيع وضع اليهودي وحده، أي تجميع الشعب اليهودي في أرض خاصة به، ستنقذنا من كارثة أخرى – وبرأي البعض أيضا سيقرب مجيء المسيح. إن الوضع المريح لليهود في أميركا يشكك في جدوى الرهان على إقامة دولة يهودية. فالتطبيع لم يمنحنا، نحن الاسرائيليين، وجودا طبيعيا ولم يبدد اللاسامية التي تستمد جزءاً من مبرراته من الشكل الذي ندير فيه نحن المواجهة مع الفلسطينيين. ثمة إسرائيليون ممن هاجر آباؤهم أو أجدادهم الى البلاد انطلاقا من الايمان بأن الرحلة التاريخية المضنية ستنتهي هنا، وها هو يتبين لهم – الانسال – بأن الوعد لم يتحقق. درءاً لهذه الشكوك المعذبة، من الخير أن نحظى ببعض اللاسامية في أميركا. ليست لاسامية خطيرة، ليست مذابح، ليست اضطهادات تفرغ أميركا من اليهود، فنحن نحتاجهم هناك، بل فقط «تذويقة» من هذه المادة الحارة كي نجدد إيماننا بالصهيونية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف