مصطلح «ليست المسألة يمينا أو يسارا» سُمع في ايام الاحتجاج في العام 2011. أقلية قليلة، وأنا من ضمنها، فوجئت برؤية كيف أنه بذريعة «الحب بدون مقابل» و»الوحدة» يتعاون محاربو العدالة مع عدم شرعنة اليسار ومع اسكات موضوع الاحتلال، الامر الذي استبعد ايضا اغلبية الجمهور العربي. لقد فوجئنا في حينه برؤية أن الصحوة الشعبية في العام 2011 غير موجهة للسلطة أو ضد انهيار الديمقراطية، بل هي تتلون بألوان سلطة نتنياهو – ألوان تكميم الأفواه والتحريض والخوف من اليساريين الخطيرين. المفارقة هي أنه في ايام الاحتجاج بالتحديد كان يمكن رؤية اتجاه الرياح. أصبنا بالمرارة في حينه لأن الاقتصاد الاسرائيلي هو اقتصاد يميني الى درجة كبيرة. وهذا من أعراض السلطة المنغلقة، والاخلال بالاتفاق الديمقراطي مع المواطنين و»ادارة الصراع» الأبدية. وللأسف الشديد تبين بعد خمس سنوات أن النبوءة قد تحققت: الخط السياسي الذي كان مركزه يمينيا في حينه، سار نحو اليمين حتى النهاية، وتحطم مثل أرجوحة مع عصا زائدة في طرف واحد. صحيح أن اليسار مثل أميركا يلحق الموضة احيانا، وأن أخطاء اليسار هي السبب الرئيس لمحوه، ولكن طوال السنوات الاخيرة استمر اليسار في لعب اللعبة المستقيمة، حتى لو كان يحتضر، في الوقت الذي يكسر فيه بنيامين نتنياهو ومليشياته الأدوات الخاصة باللعبة الديمقراطية ويقومون باسكات الجدال. حسب قاموسهم، قتل رابين هو بمثابة عقاب توراتي بسبب الانحراف عن الهدف الأسمى – أن نكون «موحدين». ويتبين عمليا أن اليسار الذي يجادل وينتقد يزعج هذه الوحدة. من الواضح أن جمعيات اليسار هي الاسوأ – العلاقة مع الاغيار بالنسبة لها أهم من وحدة الشعب اليهودي. رئيس الحكومة وقادة الائتلاف يستخدمون مصطلح «يساري» على أنه كلمة نابية اعتادوا على الصاقها بكل من يتجرأ على الانتقاد الحذر، حتى لو كان مسؤولا في «الليكود». اللعبة السياسية بين اليمين واليسار، حسب روح القائد، لم تعد جدالاً جوهرياً حول الطريق والقناعة السياسية. اليمين واليسار هما فقط اسماء لقبائل: قبيلة القافلة التي تفرض الحقائق على الارض وقبيلة الكلاب التي تنبح. ولم يستطع أحد من القادة استخدام كراهية القبائل لاغراضه السياسية مثل نتنياهو. خمس سنوات بعد الاحتجاج ونتنياهو نفسه ليس مسألة يمين ويسار. الاقتصاد الخنزيري الذي يعزز بدون ازعاج السلوك السياسي غير المسؤول وانهيار الديمقراطية، لم يعد مسألة يمين ويسار ايضا – لقد ذهبوا بعيدا الى ما وراء اليمين العقلاني. تقلصت الأمور التي تصمد أمام رياح الزمن، وتحولت الى لعبة بيبي والائتلاف الضيق. هذه امور لا تمثل اغلبية الجمهور من اليمين واليسار، مثل حالة عمونة أو الاهتمام بالآذان في المساجد. يتبين أنه في المكان الذي «ليست المسألة يمينا أو يسارا» انتهى الجدل الديمقراطي، أو يجب اختياره من جديد. أعطونا يمينا عقلانيا وديمقراطيا من اجل أن نجادله حول الطريق. ومن يعرف، قد يكون اليسار قادرا على النهوض على الخط السياسي المتوازن.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف