توجد أدلة واضحة على أن أعمال الإحراق متعمدة، فمواد الإشعال وجدت في "زخرون يعقوب" وفي أماكن أخرى. توجد أدلة على أشخاص شوهدوا وهم يشعلون النار، كما يوجد معتقلون يرتبطون بهذا الشكل أو ذاك بإشعال الحرائق. فضلا عن ذلك، فإن جهاز المخابرات – "الشاباك" ما كان ليدخل إلى التحقيق لو لم يكن هناك اشتباه بأن الحديث يدور عن اشتعال للنيران على خلفية قومية، ولكن من هنا وحتى عرض موجة الحرائق في الأيام الثلاثة الأخيرة كـ "انتفاضة نار" فإن المسافة لا تزال بعيدة.
محافل رفيعة المستوى في جهاز الأمن أيضا لا تزال غير مستعدة بعد لتتبنى هذا التعريف، وفضلا عن ذلك، فإنها تشكك بالمعطيات التي عرضها الوزراء، أول من أمس، وتفيد بأن 60 – 70 في المئة من الحرائق هي إشعال متعمد، ولكن عندما يسمي رئيس الوزراء هذا إرهاباً، حتى وإن لم يقل إن الحديث يدور عن العرب، ينشأ الارتباط الذي يفترض أن يفهمه كل شخص بأن "هذه موجة إرهاب، العرب يحرقون الدولة"، وعندما يضاف إلى ذلك حظر إجازات تفرض على خريجي الدورات في الجيش الإسرائيلي ينشأ إحساس بالطوارئ الوطنية، ما يغير جدول الأعمال ويملي باننا في حرب. كما أن قيادة "عرب إسرائيل" فهمت الرسالة التي وجهتها سلسلة من الوزراء وهم يرتدون السترات العملية إلى السكان اليهود، وسارعت إلى شجب مشعلي الحرائق وعرض المساعدة على المواطنين الذين أخلوا منازلهم.
إن القرار بإبقاء خريجي الدورات في الجيش الإسرائيلي في قواعدهم ينبع من المعنى البسيط بان ليس لدولة إسرائيل أرصدة من القوى البشرية التي يمكنها أن تشكل غلافا لأزمة في أثنائها يخلى عشرات الآلاف من منازلهم، فليس لمنع الإجازات هذا أي صلة بوضعنا الأمني. إذا ما خبت النار اليوم وبدأ الناس يعودون إلى بيوتهم فستستأنف الإجازات.
إن موجة النار في الأيام الأخيرة شاذة بكل مقياس ممكن. فأكثر من مئة حريق في اليوم، في مواقع مختلفة في كل أرجاء البلاد، بشدة غير مسبوقة، هي حدث بحجم لم يشهد جهاز الإطفاء في دولة إسرائيل مثيلا له. فالحريق الكبير الأول في منطقة نتاف سببه الإهمال. وكقاعدة، فإن معظم الحرائق في الدولة هي نتيجة إهمال الناس، والعامل المركزي الذي أثر على شدة النار وعلى عدد البؤر هو حالة الطقس الجافة والرياح الشديدة. ما يمكّن بالتلميح إلى قاسم مشترك قومي ما لهذه الموجة هو حقيقة أن معظم الحرائق الكبرى تمت داخل الخط الأخضر، في بلدات يهودية.
إن إشعال الحرائق على خلفية قومية لم يكن حتى اليوم عنصرا بارزا في "الإرهاب" الفلسطيني ضد إسرائيل، فهذه الحرائق تمت أساسا على خط التماس، كنتيجة لإلقاء زجاجات حارقة. وعلى مدى السنين اعتبرت أعمال إشعال الحرائق سلاحا هامشيا في ترسانة "الإرهاب". دعوة مؤطرة للفلسطينيين لإشعال الغابات في إسرائيل ظهرت في مناشير وزعت في أثناء الانتفاضة الأولى. قبل بضع سنوات اعتقلت خلية أشعلت النار في غابة في جبال القدس، ولكن هذه كانت حالة شاذة. ينبغي الافتراض – وأذرع الأمن تأخذ هذا بالحسبان والى هناك أيضا يسير جزء من اتجاهات التحقيق – بأن قسما من الحرائق في الأيام الأخيرة قام بها مقلدون عملوا في أعقاب الحرائق الكبرى، الأحد الماضي، والتي خلقت صدى جماهيريا إلى جانب ضرر جسيم بالأملاك، والافتراض هو أن قسما من المقلدين هم من محبي إشعال الحرائق وقسما عملوا على خلفية قومية. وينتقل التحقيق الآن إلى المستوى الاستخباري، فجهاز المخابرات يبحث عن الأشخاص أو التنظيمات هذه، وبالتوازي يبحث عن المحرضين على إشعال الحرائق في الشبكات الاجتماعية. يوجد منذ الآن معتقلون وسيكون المزيد من المعتقلين. إذا لم يتبين في التحقيقات، بيقين، أن الحديث يدور عن تنظيمات منسقة لخلايا إرهاب تمت تفعيلها من مركز واحد لتنفيذ حرائق متزامنة، فإن كل محاولة لعرض الأحداث كانتفاضة نار هي مناورة أخرى من السياسيين للتخويف ولصرف الانتباه.
إن أجهزة إطفاء النار، الشرطة، والجهاز الطبي، قاموا بعملهم بشكل جيد، ولكن في هذه الأحداث يكمن اختبار آخر لسلطة الطوارئ الوطنية وقيادة الجبهة الداخلية، فالحرائق في غابات الكرمل هي أحد السيناريوهات المعقولة لحالة إطلاق الصواريخ من لبنان، وإخلاء السكان هو جزء مرافق لهذا السيناريو. إذا لم يتم صباح غد إيجاد حل مرتب لعشرات الآلاف ممن بقوا بلا مأوى فإننا لم ننجح بعد في الاختبار.





لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف