- الكاتب/ة : ناحوم برنياع
- تصنيف المقال : بالعبري
- تاريخ المقال : 2016-11-28
كان يوم الخميس في حيفا أحمر وقاتما، وكان يوم الجمعة أسود (بلاك فرايديه). بطانة سميكة من الرماد الاسود غطت الارض في الاحياء التي عربدت فيها النار. كما غطت الارضية، الطاولات، الاسرة، في المنازل التي تضررت بقدر اقل. وحسب معطيات بلدية حيفا فان 77 عمارة فيها 527 شقة لم تعد صالحة للسكن. كان يسكن فيها 1616 نسمة. مئات الشقق الاخرى تضررت. السكان، الذين عادوا الى الشقق بعد الاخلاء ترنحوا بين الفرح والحزن، بين المعجزة والفقدان. وبالاساس كانوا في صدمة. أما مواجهة أضرار الحريق فلا تزال أمامهم. أصاب الحريق أحياء ميسورة، منازل متدرجة وجهتها نحو المشهد، نحو الطبيعة. سكان هذه الشوارع مفعمون بروح قتالية عالية. واولئك الذين احترقت شققهم تماما، جاءوا، فحصوا، حملوا ما تبقى وسافروا الى أقربائهم أو أصدقائهم. في شارع زلمان شزار، في حي روميما الجديد، التقيت داني بقعي قرب ما كان بيتهم. "في الصباح كنا متفائلين"، قال. "ظننا أن النار قد تضرب المنازل التي تحتنا ولكن ليس بيوتنا. في العاشرة صباحاً وصلت إلى الشارع سيارة مع مكبر صوت أمرتنا بالاخلاء. أخذنا الكلبة والحاسوبين المحمولين، وسافرنا. في النهاية لم تتضرر البيوت تحتنا، وعندنا كل شيء احتراق. فالاشجار نقلت النار". ماذا فقدتم، سألت. "كل الصورة القديمة راحت"، قال. "وكذا صور عرسنا. رأينا بيتنا الذي أحببناه يذهب. كانت لنا منحوتتان برونزيتان، فذابتا. الثلاجة ذابت. لا يصدق ما تفعله النار". ولكن الناس لم يحترقوا ولم يذوبوا. الانجاز الاكبر في مواجهة موجة الحرائق هذه هو أنها لم تخلف ضحايا في الارواح. وبهذا الانجاز يجدر بالجميع ان يتباهى، من رئيس الوزراء ووزير الامن الداخلي وحتى آخر مقاتلي إطفاء النار. في حرب 2006 قال لي رئيس البلدية، يونا ياهف، تضررت 502 شقة. ولكن 14 من سكان حيفا قتلوا، وهذا هو الفرق. الطبيعية يمكنها أن تتسبب بالمصائب، ولكن على حجوم الضرر يؤثر البشر. في الاماكن التي توجد فيها يد موجهة، أصابع، قوة بشرية خبيرة، جاهزية؛ بكلمات اخرى، في المكان الذي يوجد فيه حكم، تتقلص المصيبة. كان هذا صحيحا في نهاية الاسبوع ليس فقط في حيفا، بل وأيضا في زخرون يعقوب، نتاف، حلميش. نجحت المنظومة في هذا التحدي بشرف. وحتى عندما انسحبت النار لم تختف المنظومة. في الشوارع التي تضررت قام افراد الشرطة ومراقبو البلدية بأعمال الدورية. فقد منعوا الدخول الى البيوت المحروقة وحاولوا – ليس دوما بنجاح – منع السلب والنهب. رجال شركة الكهرباء و"هوت" أعادوا ربط الاحياء بالكهرباء وبالاتصالات. اسرائيل هي احدى الدول السريعة في العالم في الشطب المادي للمصائب وفي العودة الى الحيات العادية، وربما أسرعها. حكم النار كحكم الارهاب. أحد الدروس التي تعلمتها بلدية حيفا من الحريق، ومن المناورة الكبرى لقيادة الجبهة الداخلية التي سبقتها، هو أنه يجب تربية السكان على استعداد الجيش لحالات الطوارئ. فقد تعرضت حيفا في العام 2006 لـ 35 صاروخا في اليوم؛ في الحرب التالية قد تتعرض لعشرة اضعاف. الحريق يوم الخميس هو نزهة في حديقة مقارنة بوابل الصواريخ اليومي الذي سيطلق نحو المدينة. وربما درس آخر: حسب توقعات الخبراء فإن حالة الطقس في السنوات التالية ستكون أقل فأقل استقرارا. هذه هي نقمة الطبيعة على الاحتباس الحراري العالمي. فمن يريد أن يسكن مثل كثير من الحيفاويين، مثل سكان نتاف، مثل سكان زخرون، مثل سكان حلميش، داخل أحراش الصنوبر، يتعين عليه أن يعرف بان للطبيعة ثمنا. قسم كبير من الاحداث في الموجة الحالية ولد باشعال مقصود للحرائق، على خلفية تخريبية. من يتنكر لهذه الحقيقة يدفن رأسه في الرمل. ومن أشعل النار لم يقصد المس بالاشجار فقط؛ فقد قصد البلدات، المساكن، الناس. ان دور جهاز الأمن والقضاء هو العثور على الوسائل التي تردع المحرضين ومشعلي النار. وعلى العمل ان يبدأ بالشبكات الاجتماعية. من جهة اخرى لا توجد أي منفعة للاعلانات الحماسية من الوزراء والنواب. فهم لن يسحبوا المواطنة من عائلات فتيان القوا سيجارة في حرس، مثلما لم يسحبوا المواطنة من عائلات قتلة. من لم يهدم بيوت اليهود الذين القوا زجاجة مولوتوف داخل بيت عائلة في دوما لن يهدم بيت مشعل نار في حيفا. هذه ترهات. يجمل بهم أن يحسبوا الوقود الذي يقدموه للتحريض عندما يعملون على قوانين كل هدفها إرضاء نوازع ناخبيهم. فأصوات المؤذنين في مكبرات الصوت عند الفجر هي موبئة بيئية حقيقية. يوجد قانون يمنع هذا. فليفعّلوا القانون. بدلاً من ذلك يعملون على قانون جديد، كل هدفه أن يصورهم ككارهين للعرب. لعل الدرس الحقيقي الذي نتعلمه من موجة الاحراقات يعود الى مجال آخر. نحن نستثمر المليارات في الغواصات الاكثر تقدما والطائرات الغالية الاكثر تطورا في العالم. وفي الوقت ذاته نحن عرضة حتى الرعب لقوة عود الثقاب. قدر من التواضع لن يضرنا، بين الوسام والوسام.