- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2016-12-08
لم يعد خافياً أن تل أبيب وواشنطن وبعض العواصم العربية في صدد التحضير لمشروع هابط بديلاً لـ «حل الدولتين»
■ تتدحرج الأحداث والتطورات على الصعيد الفلسطيني، بحيث تزداد كثافة الضباب الذي أخذ يلف مشروع «حل الدولتين»، الذي سبق وأن طرحته الولايات المتحدة وتبنته «الرباعية الدولية» كتطبيق لبرنامج أوسلو، وخطة خارطة الطريق. ويمكن قراءة هذا التدحرج في أكثر من علامة لعلّ أبرزها:
• إصرار نتنياهو على رفض مبدأ «حل الدولتين» وأن يكون إلى جانب إسرائيل «دولة فلسطينية» حتى وفقاً للمقاييس الأميركية ـــ الإسرائيلية. لذلك يمعن نتنياهو في توسيع مشاريع الإستيطان، داخل القدس ومحيطها، في إطار تهويد المدينة، والفصل بينها وبين محيطها العربي الفلسطيني، وعزلها عن الضفة الفلسطينية، وتعزيز إرتباطها بإسرائيل بإعتبارها المدينة الموحدة والعاصمة الأبدية للدولة. كذلك يمعن نتنياهو في توسيع مشاريع الإستيطان في أنحاء الضفة الفلسطينية، ولعل آخر خطوة (وهي ليست الأخيرة بالطبع) موافقة الكنيست الإسرائيلي مبدئياً، بالقراءة الأولى، على مشروع قرار بتشريع المستوطنات والبؤر الإستيطانية التي تعترف إسرائيل أنها مبنية على أراضي فلسطينية مصادرة بشكل غير قانوني، والتي كانت المحكمة الإسرائيلية قد أقرت إعادتها لإصحابها الفلسطينيين. وهو المشروع الذي وصفه النائب العربي الفلسطيني في الكنيست أحمد الطيبي أنه أخطر قرار تتخذه تل أبيب لأنها بذلك تمهد لضم المستوطنات والبؤر الإستيطانية وكامل المنطقة (ج)، البالغة مساحتها 60% من الضفة إلى إسرائيل، إلى جانب ضم القدس الشرقية المحتلة.
وبإعتراف جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، فإن هذا التوسع من شأنه أن يعطل مشروع «حل الدولتين»، وأن يهدد مستقبل إسرائيل كدولة يهودية (على حد تعبير كيري) كما أكد كيري أن نصف وزراء حكومة نتنياهو ضد «حل الدولتين».
• في السياق نفسه، بات مكشوفاً أن إسرائيل وهي تخطط لضم المنطقة (ج) من جانب واحد وسلخها عن الضفة الفلسطينية، إنما تحضر لذلك في إطار ترغب أن يكون قانونياً، يحمي المشروع الإستيطاني من النقد العالمي، خاصة النقد الأوروبي.
لذك تقترح حكومة نتنياهو ما بات يطلق عليه «بالحل القبرصي»، وهو الحل الذي قضى، بعد الغزو التركي لقبرص، بتقسيم الجزيرة إلى منطقتين واحدة تركية والأخرى يونانية، وأن يتم تبادل السكان بين المنطقتين، ودفع التعويضات المالية للمتضررين من الطرفين أصحاب الأملاك الصادرة هنا أو هناك. وقد إعترفت أوروبا، على سبيل المثال بهذا الحل، وباتت قبرص المقسمة أمراً يتصرف معه المجتمع الدولي بإعتباره بات أمراً واقعاً. طموح نتنياهو ومشروعه أن يصل بهذا «النموذج» في الضفة إلى المرحلة التي يتحول فيها إلى أمر واقع معترف به دولياً. كذلك يعمل على ضم المنطقة (ج) والمستوطنات، والقدس، وشكل لهذا الغرض لجاناً قانونية وفنية لبلورة المشروع من جوانبه المختلفة، ويستعين بخبراء قانون دوليين لتوفير «الأساس» القانوني، لهذا الحل، وبحيث تتحول الضفة الفلسطينية إلى «جزئين» معترف بهما، جزء «لا يتجزأ من إسرائيل» هو المستوطنات والمنطقة (ج)، والجزء الآخر، تكون له صفة كيانية فلسطينية، سقفها سلطة حكم إداري ذاتي، لا تخرج من غطاء المنظومة الأمنية لإسرائيل، عبر تعزيز التعاون الأمني «المقدس» (لدى الرئيس عباس) ولا تخرج من المنظومة الإقتصادية الإسرائيلية عبر تعزيز تبعية الإقتصاد الفلسطيني لإسرائيل
***
في السياق نفسه، ويبدو أن الولايات المتحدة، في حرصها على صون إسرائيل دولة صهيونية يهودية ذات وظيفة إقليمية معروفة، وفي ظل إدراك الإدارة الأمريكية أن التوسع الإستيطاني يعطل قيام «الدولتين»، ولأجل تجاوز صيغة «الدولة الواحدة» بالوقائع الإسرائيلية القائمة على التمييز العنصري، بدأت واشنطن بالبحث عن حل بديل لما يسمى «حل الدولتين»، يضمن بقاء إسرائيل دولة صهيونية، ويقيم بالمقابل كياناً فلسطينياً منفصلاً عن إسرائيل، يوحي وكأن الصراع قد وصل إلى حل سلمي، بحيث يتم تطبيع العلاقات العربية ــ الإسرائيلية، وفتح الأبواب لدمج إسرائيل في المنطقة العربية، من موقع المتفوق وصاحب النفوذ والوكيل لصالح الولايات المتحدة في المنطقة والحارس الأمين لها، في ظل تطورات وتداعيات الأوضاع في الدول العربية.
المشروع الذي قالت مصادر إن الولايات المتحدة تعمل على بلورته، هو مشروع الفدرالية الفلسطينية الأردنية في سياق إحياء مشروع المملكة العربية المتحدة. وتؤكد المصادر أن بعض العواصم العربية تبلغت من الولايات المتحدة بضرورة إعادة دراسة هذا المشروع البديل، وبلورة «مبادرة» عربية وإطلاقها في سماء المفاوضات بما يمهد للولايات المتحدة التدخل، والدفع بإتجاه تطبيق هذه المبادرة الجديدة، التي من المفترض أن تقوم على إنقاض مبادرة بيروت (2002).
وتذهب بعض المصادر أن بعض العواصم العربية نقلت إلى محمود عباس هذه المعلومات، وطلبت إليه أن يعيد رسم سياسته على هذا الأساس.
في هذا السياق لفت نظر المراقبين كيف أن عباس أصر في خطابه الإفتتاحي أمام مؤتمر فتح السابع أن الكيان القائم الآن لم يعد «سلطة» بل أصبح دولة. وأصر أنها دولة معترف بها من قبل المجتمع الدولي، وأنه من الآن فصاعداً سوف يراسل العالم باسم دولة فلسطين وليس باسم السلطة الفلسطينية.
وتتساءل الدوائر السياسية كما نتساءل نحن، فما إذا كان هذا الإصرار على تصوير السلطة الفلسطينية، على أنها دولة، إنما هو شكل من أشكال الهروب إلى الأمام، أم أنه خطوة أولى، نحو منتصف الطريق لملاقاة المشروع الأميركي لإحياء فكرة الكونفدرالية مع الأردن.
***
تتوالى الأحداث والتطورات بما خص القضية الفلسطينية، ومنها على سبيل المثال وصول ترامب إلى الرئاسة في الولايات المتحدة. ومنها عزوف الرئيس الفرنسي عن الترشح لولاية جديدة. ومنها إستقالة رئيس وزراء فرنسا ومجيء وزير الداخلية مكانه على رأس الحكومة. وهذه كلها تطورات تفتح الباب للسؤال عن ملامح السياسة الأميركية الجديدة في المنطقة، خاصة بعد أن بات ممكناً أن يعود دنيس روس مستشاراً لترامب لشؤون الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية. كما تفتح الباب للسؤال عن مصير مؤتمر باريس، الذي تقرر تخفيض وتهبيط مستواه ليصبح على مستوى وزراء الخارجية (أو من ينوب عنهم) وبعد أن شكك هولاند شخصياً بإحتمالات إنعقاده، وبعد أن أبلغ مسؤول في مكتب عباس في رام الله باحتمال تأجيل المؤتمر للعام القادم دون تحديد موعد محدد لذلك. كل هذه التطورات تعرض المصالح الوطنية الفلسطينية للخطر، بينما يبدو أن القيادة الفلسطينية الرسمية لم تقدم في مؤتمر فتح حلولاً للأزمات والقضايا المعلقة، لا من أجل حل الإنقسام، ولا الإستيطان، ولا الأسرى، ولا خطة لترحيل الإحتلال.
ونعتقد أن إستمرار الوضع على حاله ما هو إلا علامة إفلاس، لم تخرجنا منه قرارات مؤتمر فتح السابع، بل وحده البرنامج الوطني الموحد، الذي صاغت الحالة الوطنية الفلسطينية مرة أخرى عناوينه في وثيقة الوفاق الوطني (2006)، وفي قرارات المجلس المركزي (5/3/2015).
وسيبقى الباب مفتوحاً أمام الإحتمالات، خاصة حين ستتوفر الفرص ليقول الشارع رأيه مرة أخرى كما قالها في الإنتفاضة الأولى، وفي الثانية، وكما قالها شباب فلسطين في إنتفاضتهم الباسلة.