"قال لي ستة محققين: يجب أن تتحدث. انظر إلى صورة ابنك، من المؤسف أن يفتح ابنك عينيه ولا يجد والده، أو أن يكون له أب دون ساق أو يد"، هذا ما قاله ف. الفلسطيني من جنوب الضفة الغربية حول ما حدث له في غرف التحقيق في "الشاباك". ف. قضى 12 سنة في السجن الإسرائيلي بسبب عضويته في "حماس "وتجارة السلاح، وقد تم التحقيق معه في المرة الأخيرة في العام 2012.
وحسب أقواله فقد تعرض للتعذيب الشديد أثناء التحقيق. "من المؤسف أن يكون هذا الولد يتيماً"، هذا ما قاله له المحققون حسب أقواله.
في نهاية التحقيق الذي شمل الضرب والتعذيب، قدم ف. شكوى للمراقب في "الشاباك"، وهي وحدة في وزارة العدل يمكنها التحقيق في الشكاوى ضد المحققين في "الشاباك".
وفي الشكوى وصف الإهانات والتعذيب الخطير.
وبعد ثلاث سنوات تم إغلاق الملف، ويقول ف. إنه فوجئ، لكن من يعرف كيفية عمل القسم يتوقع ذلك مسبقا.
المعطيات التي تم الكشف عنها بناء على طلب من "هآرتس" تُبين أنه على مدى سبع سنوات لم يفتح هذا القسم ولو تحقيقا جنائيا واحدا، ولم يسبق أن تم تقديم لائحة اتهام رغم مئات الشكاوى وعشرات الاستيضاحات.
وعلمت "هآرتس" أن هذا القسم يعاني من النقص في القوة البشرية، حيث يوجد فيه رجل واحد فقط، وفعليا هو لا يتدخل في عمل "الشاباك"، حتى عندما تتحدث الشكاوى عن التعذيب المحظور حسب القانون في إسرائيل، بما في ذلك الضرب ومنع النوم لفترات طويلة.
إن سياسة إغلاق الملفات لم تتغير في السنوات الأخيرة أيضا، بعد انتقال القسم من إدارة “الشاباك” إلى إدارة وزارة العدل.
في العام 2013 أعلنت وزارة العدل عن تعيين المحامية جانا مودوغبرشفيلي في منصب مراقبة الشكاوى لمن يتم التحقيق معهم في "الشاباك".
وجاء في الإعلان أن التعيين يهدف إلى زيادة الثقة بالقسم، الذي يوازي قسم التحقيق ضد الشرطة. "كان المراقب دائما تابعا لجهاز "الشاباك" من الناحية الإدارية"، قيل، "على مدى السنين كانت هناك ادعاءات بأن الجهة التابعة اداريا لـ "الشاباك" هي التي تقوم بفحص الشكاوى ضد زملائه في الخدمة.
وعلى خلفية هذه الادعاءات قرر المستشار القانوني للحكومة تحويل هذا القسم إلى جزء من وزارة العدل"، وقد تم اتخاذ القرار بعد أن كشفت دعوى لمحكمة العدل العليا أنه تم تقديم 600 شكوى بين سنوات 2001 – 2008، وقد أغلقت جميعها.
من المعطيات التي وصلت إلى الصحيفة يتبين أنه بين سنوات 2009 – 2012، حين كان القسم بإدارة "الشاباك" تم اجراء الفحص لعشرات الشكاوى، لكنها جميعا أغلقت.
ولكن بعد انتقال القسم إلى وزارة العدل ايضا استمر اغلاق الشكاوى، ولم يتم فتح أي تحقيق جنائي.
في سنوات 2013 – 2014 فتح القسم استيضاحات في بعض الشكاوى التي تم إغلاقها في السابق.
وفي العام 2013 كان هناك 67 استيضاحا قديما - جديدا. وفي العام 2014 تم فتح رقم قياسي من الاستيضاحات، إلا أنها لم تؤد إلى أي تحقيق جنائي أو لوائح اتهام.

ايضا في السنوات 2015 – 2016 تم فتح عشرات الاستيضاحات، ولم يؤد أي منها الى تحقيق جنائي.
وحسب المحامية افرات بيرغمان سفير، من اللجنة الجماهيرية ضد التعذيب في اسرائيل، فقد قدمت اللجنة ألف شكوى منذ 2001، ولم يكن هناك أي تحقيق.
وقسم التحقيق في “الشاباك” لا يكشف عن عدد الشكاوى التي تم تقديمها، بل كشف عن الاستيضاحات التي فُتحت.
من وراء هذه الأرقام يقف عشرات الاشخاص الذين يقولون إنه تم تعذيبهم في “الشاباك” بشكل يناقض القانون. وف. هو واحد منهم فقط.
وقد أُدين بعضويته في منظمة محظورة وبتجارة السلاح. ولكن في الشكوى التي قدمها في العام 2013 عن طريق اللجنة العامة ضد التعذيب يصف وسائل التعذيب، التي إذا تمت بالفعل فهي غير قانونية، ولكن اذا كانت هناك "قنبلة موقوتة"، فان القانون يسمح حينها بالتعذيب.
لقد تم ربط ف. عدداً من المرات، حسب زعمه، على شكل "الموزة"، حيث يتم وضعه على كرسي وظهره مسنود ورأسه على الكرسي من طرف وساقاه في الطرف الثاني. وحسب اقواله، اثناء التحقيق معه وهو في هذه الوضعية بدأ بالتقيؤ وفقد الوعي.
وبعد أن استيقظ انهالوا عليه بالضرب واللكمات، وفي تقرير الطبيب الخاص جاء أن هناك علامات متكررة للضرب على جسده.
وزعم ف. ايضا بأن المحققين قاموا بخنقه وربطه مجددا على شكل "الموزة" واشكال اخرى مشابهة، وغاب عن الوعي في هذه المرات ايضا.
بعد ذلك اعترف بنقل واخفاء السلاح فقط كي يوقفوا تعذيبه، حسب اقواله.
بعد ثلاث سنوات تم ابلاغ محاميه أن الملف قد أغلق، وفي رسالة النيابة العامة، المسؤولة عن قسم التحقيق في “الشاباك” جاء أن التحقيق معه أدى الى العثور على الكثير من السلاح، ما منع تنفيذ العمليات، وأن ادعاءاته غير صحيحة.
"بعد فحص وثائق الملف وجدت أنه لم يكن هناك أي خطأ أثناء التحقيق الخاص الذي يمنح المحققين نوعا من التعذيب"، كتبت المحامية رحيل مطر، المسؤولة عن قسم التحقيق ضد “الشاباك” في النيابة العامة.
فحص دون شهادة
يتبين أن قسم التحقيق في “الشاباك” لا يقوم بأخذ شهادات المشتكين الذين يتعرضون للمحاكمة. ولكن فعليا يبدو أن هذا الامر يضر بشكل كبير بقدرة استيضاح الشكاوى.
التعاطي مع ح.، وهو يهودي من سكان "المناطق"، اعتقل وتم التحقيق معه بتهمة علاقته مع الارهاب اليهودي في "المناطق" في السنة الماضية، هو مثال على ذلك.
ح. حسب محاميته تعرض للتحقيق "حسب الضرورة" على مدى شهر لدى “الشاباك”. وهو يدعي أنه طوال الوقت تم منعه من النوم، وضُرب بشكل دائم. وفي نهاية المطاف تم تقديم لائحة اتهام ضده تختلف كليا عن التهمة التي اعتقل بسببها والتي تشمل ضرب فلسطيني. وفي محاكمته التي ما زالت مستمرة، قال إن الحديث يدور عن شجار وضرب عادي.
تبادل الرسائل الذي قامت به محاميته، سينيا موزيس، من منظمة "حوننو"، مع قسم التحقيقات في “الشاباك” تكشف طرق عمل القسم. وقد قدم ح. في هذه السنة شكوى بسبب التعذيب الذي تعرض له حسب ادعائه. وبعد ذلك قامت موزيس بارسال رسالة للقسم وتساءلت لماذا لم يتم استدعاؤه لتقديم شهادته بخصوص الشكوى. وبعد مرور اسبوعين، حين لم تتلق أي رد، قامت بارسال رسالة اخرى وتساءلت فيها لماذا لم تحصل على الرد؟
بعد يومين قالت رئيسة قسم التحقيق إن "موضوع ح. ما زال قيد الاستيضاح".
موزيس سألت: "كم سيستمر الاستيضاح، وهل سيشمل اجراءات معينة، أم أن الموضوع سينتظر؟". وقد اشتكى ح. من العنف والتعذيب اثناء التحقيق في “الشاباك”، ونحن نطلب فحص الشكوى والتحقيق بها. لماذا يتعلق هذا بالاجراءات القانونية ضده، التي هي شيء مختلف تماما". "الوقت يؤثر سلبا على الموضوع"، قالت في رسالة اخرى. وبعد بضعة ايام جاء الرد: "الملف قيد الاستيضاح ونحن نقوم بفحص الشكاوى مع أخذ الوضع القانوني في الحسبان لمن قدموا الشكاوى".
وفي السياق ادعت رئيسة قسم التحقيق أن تعليق الفحص يعتمد على قرار محكمة العدل العليا، وتقول موزيس إن ح. لم يتم استدعاؤه حتى الآن من أجل تقديم شهادته.
محقق واحد فقط
إن الطريقة التي يعمل حسبها قسم التحقيق ضد “الشاباك” ستتضح اذا نظرنا إلى حجم القوة البشرية في القسم، حيث يوجد ثلاثة موظفين فقط بوظيفة كاملة، منهم رئيسة القسم وشخص آخر بمسمى اداري ومحقق واحد فقط.
وعندما يكون شخص واحد فقط مسؤولا عن التحقيق في مئات الشكاوى التي يتم تقديمها سنويا، لا يمكن اجراء تحقيق ناجع.
اضافة الى الموظفين الثلاثة هناك طالبة اخرى، وقد علمت "هآرتس" أنه في السنة القادمة سينضم محققان آخران.
وجميع الموظفين في القسم، بناء على قرار من العام 2013، هم موظفون تابعون لوزارة العدل ويتم دفع رواتبهم من ميزانية الوزارة.
في اللجنة ضد التعذيب يقولون إن جهاز تطبيق القانون يزحف على مدى اشهر وسنوات حين تكون هناك محاولة للاستئناف على قرارات القسم، وتعطي اللجنة مثالا على ذلك، اثنتين من الشكاوى التي كانت واضحة ويمكنها دحض قرار القسم، أعيد اغلاقها من قبل وزارة العدل بعد اشهر طويلة.
في إحدى الحالات استأنفت اللجنة على قرار اغلاق الفحص بخصوص فلسطيني زعم أنه تم التحقيق معه مدة سبعة ايام متواصلة.
الرسالة الاولى التي قام بارسالها حول الاستئناف كانت في أيار 2013، وقد جاء الرد عليها بعد ثلاث سنوات. "نبلغكم أن نائب الدولة السيد شاي نتسان فحص هذا الامر ولم يجد أي حاجة إلى تغيير قرار عدم فتح التحقيق". وفي رسالة الرد جاء أن القرار قد اتخذ بناء على أدلة في ملف التحقيق، تناقض ادعاءات المشتكي بأنه تم التحقيق معه سبعة ايام متواصلة، وأنه اثناء الشهادة الشفوية التي قدمها زعم أنه تم التحقيق معه اربعة ايام متواصلة فقط.
هناك مشتك آخر مثلته اللجنة ضد التعذيب اشتكى من أمر مشابه.
وعلى الاستئناف الذي قدمه ضد الغاء الشكوى في شباط 2014، تم الرد في أيلول.
وقد كتبت النيابة العامة "نأسف على التأخير في الرد ونعلمكم أن نائب الدولة قد قام بفحص الأمر ولم يجد حاجة إلى تغيير قرار عدم فتح التحقيق".
وقالت المحامية نحما جوسمان في قرارها: "لم نجد أي تأكيد" على وجود مخالفات جنائبة من قبل “الشاباك”.
وأكدت أنه "أثناء التحقيق تم إجراء تفتيش محيط بيت مقدم الاستئناف من أجل العثور على بندقية "إم 16"، وأن حقيقة طلب تحديد مكان البندقية من هذا الشخص تؤكد أنه لم يتم التهديد بهدم بيته". وجاء ايضا أنه تقرر إغلاق ملف الشكوى.
وكان رد وزارة العدل: "كل شكوى يتم تقديمها لقسم التحقيق ضد "الشاباك" يتم فحصها بشكل عميق من قبل وزارة العدل، وهذا يتم قبل اتخاذ أي قرار حول تقديم أو عدم تقديم توصية بالتحقيق مع محقق "الشاباك".
وفي أعقاب الفحص الأولي، لم يتقرر في السنوات الماضية إجراء تحقيق جنائي ضد أي محقق، وهذا بعد فحص جميع الشكاوى.
وقد أدى هذا الفحص أحيانا إلى اتخاذ إجراءات انضباطية أو استخلاص الدروس.
إن فتح التحقيق الجنائي مشروط بوجود أدلة تبرر ذلك، ولا يتم اتخاذ القرار بشكل اعتباطي فقط من أجل تغيير معطيات إحصائية كهذه أو تلك.
عندما توجد ادعاءات مع أدلة يمكن تقديم دعوى ضد الفحص الذي أجري للشكوى".
وحول ادعاءات ف. جاء في الرد: "لقد تم فحص الشكوى من قبل قسم التحقيق ضد “الشاباك”، وبعد ذلك من قبل النيابة العامة للدولة والمستشار القانوني للحكومة، حيث تقرر أنه لا حاجة إلى فتح تحقيق جنائي ضد المحققين لأنه ليس هناك أي أساس لادعاءاته بأنه تم ضربه بشكل ألحق به الأذى الجسدي أو أنه تعرض للتحرش الجنسي.
صحيح أن هناك تقريرا طبيا تم إرفاقه بالدعوى، لكنه جاء بعد انتهاء التحقيق معه بفترة طويلة.
وما ورد في التقرير يناقض الوثائق الطبية التي كانت أثناء التحقيق، لذلك تقرر عدم تغيير الاستنتاجات التي كانت في إطار فحص الشكوى، الدعوى التي تم تقديمها لمحكمة العدل العليا ما زالت سارية المفعول".
وحول ادعاءات ح. قيل: "القسم لا يجري أي فحص اثناء المحاكمة الجنائية لمقدم الشكوى، خاصة عند الحديث عن صلاحية اعتراف المعتقل.
وهذا من اجل عدم التشويش على الاجراءات القانونية، وبعد اتخاذ المحكمة القرار بخصوص الادعاءات التي قدمها ح. ضد المحققين معه، وإذا كان هناك مبرر لذلك، يقوم القسم بالاستيضاح مجددا".
وردا على ادعاء استمرار اجراءات الاستئناف حول قرارات قسم التحقيق، جاء من وزارة العدل: "يتبين أن هناك تأخيرا، واحيانا يكون طويلا. وكما هو معروف فان الرئيسة الحالية قد تسلمت منصبها في العام 2014. وهناك تغييرات وتعديلات ستؤدي إلى تحسن حقيقي في متابعة شكاوى الذين يتم التحقيق معهم".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف