اسرائيل الرسمية تودع رسميتها التي أسسها دافيد بن غوريون وتبناها من جاءوا بعده. واضافة الى اهمال الرسمية، فان اسرائيل الرسمية تدير ظهرها للديمقراطية واحترام القانون والقضاء. اسرائيل الرسمية تفقد الاحساس بالخجل – هذا الاحساس الذي يجعلنا انسانيين.
وزير السياحة ياريف لفين هو الذي يعبر عن كل هذه الامراض. فالامور التي قالها من مقاعد المعارضة وكانت الردود عليها هي الاحراج والتجاهل، يتم قولها الآن على لسان وزير في الحكومة، وتتم مباركتها من الزعيم. وماذا عن الزعيم؟ إنه يريد السيطرة. الموقف الرسمي الذي يمنع التعيينات السياسية كان مزعجا له. فهو يحسد، كما أعلن، ترامب على قدرته على توزيع المناصب كما يريد. إلا أن نتنياهو لا يحسد ترامب الشخص، بل يحسد الطريقة الامريكية التي تقول إن من يفوز بالسلطة، يحق له توزيع الغنائم على مقربيه. وحقيقة أنه في اسرائيل يوجد نظام برلماني يشبه بطبيعته النظام البريطاني، ومن ضمن ذلك بنية السلطة التشريعية، لا تزعجه في أن يحلم بالطريقة الامريكية.
الدول التي يوجد فيها نظام برلماني، تبنت الفصل الواضح بين المستوى السياسي والمستوى المهني. ونتنياهو يعرف ذلك، لكنه يعتقد أن الوقت مناسب للتغيير. لأن الخطر الحقيقي في نظره لا يكمن في المعارضة البرلمانية. خصومه الحقيقيون يوجدون في حكومته، وكل الطرق مسموحة لمحاربتهم. صحيح أن نتنياهو يعرف أن هناك وزراء تمت محاكمتهم بسبب التعيينات السياسية غير المناسبة، ولم يتجرأ أحد على مباركة هذه التعيينات في حينه، حيث تفاخرنا دائما بكوننا ديمقراطية سليمة. ولكن يبدو أنه يؤمن مثل ترامب بأن الكذب هو الحقيقة المنتصرة وليس هناك غيره.
يوجد لمحكمة العدل العليا دور تاريخي في كل ما يتعلق بالحفاظ على القيم الرسمية والديمقراطية أمام الخاضعين والمخالفين، الذين تم اغراءهم دائما لتجاوز قواعد اللعب المستقيمة. المحكمة غفت على الجدار من اجل الدفاع عن طابع اسرائيل كدولة قانون.
ياريف لفين، الذي يقف محبطا أمام سكان عمونة، يفعل كل شيء من اجل اعطاء صبغة قانونية للقرارات السياسية. وهو يفعل ذلك لأنه اليساري حسب رأيه هو "عدو الشعب". وحسب رأيه فان مريام ناؤور وروبي ريفلين وبني بيغن يوجدون في نفس العربة، لكن لفين يعرف أن موضوع عمونة ليس موضوعا سياسيا فقط. فهذا موضوع قانوني واضح: الاعتداء على الاراضي هو اعتداء على الاراضي. ومن يسمي هذا الاعتداء "الصهيونية في أروع صورها" فانه يعلن بأن الصهيونية تعتدي على الارض بمصادقة المملكة.
يريد لفين تغيير قواعد اللعب وتحطيم مكانة محكمة العدل العليا وسن عدد من القوانين – قوانين التسوية – تعمل على اعطاء الصبغة القانونية، بدء من عمونة ومرورا بالوظائف للمقربين وانتهاء بكبح جماح وسائل الاعلام.
لكن أين اختفى الاحساس بالخجل؟ ليس خجل نتنياهو واصدقاءه، بل الجمهور الواسع الذي تحفظ دائما من اعطاء الوظائف لاعضاء الليكود وعبر عن قلق جوهري من الحاق الضرر بالجهاز القضائي. يبدو أن الجواب يكمن في المعلومات والمعلومات المضللة التي تبثها الحكومة من اجل التحريض واثارة الخوف. لماذا نشتكي من قوانين التسوية في الوقت الذي يُوجه فيه الى بيتنا سلاح التدمير الجماعي؟ وكيف نستنكر توزيع الوظائف على المقربين في حين أن اليسار يقوم باهانة جنود الجيش الاسرائيلي على رؤوس الأشهاد؟ وما السيء لدى ياريف لفين في حين أن العرب يتدفقون على الصناديق؟.
من الذي سيقف في وجه ذلك؟ من الذي سيتجند لتجنيد جمهور واسع ضد الحكومة التي تقوم بافراغ اسرائيل من قيمها وتحولها الى دولة أكثر تدينا وأقل ديمقراطية وأقل رسمية؟.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف