ثمة أمران لصالح كفاح مستوطني بؤرة عمونة في الحكومة وفي المؤسسة الاستيطانية. الأول، الظلم. بالفعل هم مظلومون. فقد اشتكى نتنياهو، الاسبوع الماضي، من أنه ملزم بأن يخلي غزاة يهودا، بينما يبني غزاة عرب بيوتهم بلا معيق. هذه الحجة مدحوضة بالطبع. فلا أحد يمنع الحكومة من هدم بيوت للعرب بنيت خلافا للقانون، لا في الخط الاخضر ولا خلفه. وبالتأكيد لا يحظى العرب (وأنا أقتبس عن نتنياهو من جلسة الحكومة، أول من أمس) بـ "عقدنا عشرات المداولات، طرحنا الكثير جدا من العروض، بعضها خارج العلبة، عروض إبداعية جدا. فعلنا هذا انطلاقا من محبة الاستيطان، تماما هكذا. فعلنا الحد الأقصى". الظلم هو مقارنة بمستوطنين آخرين. فسكان عمونة يسألون عن حق لماذا يفرضون عليهم نقل مكان سكنهم، بينما سكان عوفرا المجاورة، ممن يسكنون مثلهم على أرض تعود للآخرين، يواصلون البقاء في بيوتهم؟ لماذا لا تعتزم الدولة إخلاء الاف المستوطنين الذين لا تختلف مكانتهم القانونية عن مكانتهم هم؟ لماذا تصطدم مع عائلات استوطنت هناك بنية طيبة ولا تقدم للمحاكمة السياسيين، الموظفين، القانونيين والضباط الذين بادروا الى اقامة بؤرتهم رغم علمهم بان الارض خاصة، وصانوا ومولوا هذا الاستيطان على مدى السنين؟ مستوطنو عمونة ليسوا من المتطرفين في قطاعهم. فهم لم ينضموا الى تنظيم سري إجرامي، مثلما فعل البارزون من مؤسسي عوفرا، لم يقيموا مدارس دينية تتبنى عقيدة كهانا، لم ينشئوا عشا من مجرمي "تدفيع الثمن"؛ لذا يمكن أن نفهم غضبهم حين يميز ضدهم. أما الأمر الثاني فهو الشفافية. فالاستيطان في "المناطق" بني منذ بدايته على الغمز المتبادل بين رؤساء مؤسسة المستوطنين وأذرع الحكم. هؤلاء ثبتوا حقائق على الارض، واولئك مولوا وسوغوا بالسر. الرجل الذي عرف أكثر من أي شخص آخر كيف يناور داخل هذا النظام كان زئيف حفير- زمبيش. فشبكة العلاقات التي اقامها تمتد من رؤساء الحكومة وحتى ضباط الادارة المدنية ومحامي وزارة العدل. وعلى الطريق ربّى عشرات الزمبيشيين على شاكلته وصورته، وغير وجه التاريخ. لقد مل مستوطنو عمونة الاكاذيب. فقد اقترح الزمبيشيون عليهم كل أنواع الحلول بالغمز، والتي اعدت في الغرف المغلقة، وليس فقط من خارج العلبة - بل من خارج القانون. حتى الاحد، على الاقل، قالوا لا. وحتى لو استسلموا في النهاية ووفروا على نتنياهو الصور القاسية التي ينطوي عليها الإخلاء بالقوة، فان نفورهم من ثقافة الكذب جديرة بالتقدير. من ليسوا جديرين بالتقدير هم رجال وزارة العدل، من المستشار القانوني للحكومة فأسفل، ممن شاركوا في هذه العملية الحقيرة. فلا شعرة كانت ستسقط من رأسهم لو أنهم قالوا إننا نرفض المشاركة في هذا الاحتفال. ونتلقى رواتبنا كي نحمي القانون، لا كي ننكل به. ان الاستيطان في "المناطق" هو المشروع ذو المغزى الاكبر، الاكثر تأثيرا، الذي قام في اسرائيل في الخمسين سنة الاخيرة. وكلما مرت السنون يعطينا بلادا أكثر فأكثر – ودولة أقل فأقل. وعلى الطريق يدهس أسس الرسمية التي وضعها هنا جيل المؤسسين – إمرة القانون والقضاء، احترام الحكم، وحدة السلاح، التطلع للعيش في دولة يهودية وديمقراطية. عمونة ومستوطنوها ليسوا الاعداء. هم علامة طريق، ملاحظة هامشية، في المسار الذي يقوده آخرون. وكما قال السياسي المتحمس ذاته: نقف على شفا هاوية، والان سنسير خطوة كبيرة الى الأمام.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف