طرق مستطلع من التأمين الوطني الباب، جلس في الصالون، وأخرج النماذج، وبدأ يطرح الاسئلة: كم يوما عملت في الأشهر الثلاثة الاخيرة؟ "أنا أعمل بوظيفة كاملة"، أجاب صاحب البيت، "كل يوم وكل شهر". هذا جيد، سأقوم بتسجيلك كرب عائلة. سأل صاحب البيت: "اذا قلت إنني عملت اسبوعين فقط في الشهر؟" عندها أيضا ستكون رب عائلة. "وإذا عملت اسبوعا واحدا؟" سيكون الشيء ذاته، حيث يكفي أن تعمل يوما واحدا في الاشهر الثلاثة الاخيرة كي يتم اعتبارك رب عائلة. "يوم واحد فقط، لا أصدق"!
حسب تقرير التأمين الوطني عن الفقر، الذي نشر مؤخراً، 25.9 في المئة من العائلات التي يوجد لها معيل واحد توجد تحت خط الفقر، و5.6 في المئة من العائلات التي يوجد لها معيلان مدفونة ايضا تحته. وهذا أمر سيئ يشير الى أن العمل لا ينقذ من الفقر، إلا اذا كان التأمين الوطني يقوم بتضليلنا، وبدل ذلك يقول إن المعيل هو فقط الذي يعمل بوظيفة كاملة ويقوم بتحديد المعطيات حسب ذلك. وبهذا فان عدد العائلات التي تعتبر عاملة وفقيرة سيقل بشكل كبير. مثلا، عدد العائلات التي لها معيلان يعملان بوظيفة كاملة، ورغم ذلك توجد تحت خط الفقر، كان سيقل بـ 0.9 في المئة فقط. أي أن العمل ينقذ من الفقر.
هناك مشكلة اخرى في تقرير الفقر. فحسب استنتاجاته، 53 في المئة من العائلات العربية و49 في المئة من العائلات الحريدية توجد تحت خط الفقر، الامر الذي يبدو غير منطقي ومقطوع عن الواقع على الارض. أقوم بزيارة الكثيرين في بني براك والمناطق العربية، والاحظ أنه لا يوجد هناك فقر خطير. لا ألاحظ ذلك في البيوت والشوارع والمحلات والاسواق. تعالوا نضع يدنا على قلبنا ونسأل: هل المستطلع من التأمين الوطني يحصل على الاجابات الصحيحة في هذه الاوساط؟ هل سيتجرأ أصلا على دخول مئه شعاريم في شرقي القدس؟ إن الحريديين يعتبرون أنه جزء من "سلطة غريبة"، يجب ازعاجه. هم والعرب والبدو ايضا لا يحلمون ولو لحظة بقول الحقيقة عن مداخيلهم، التي بعضها "سوداء".
هذا لا يعني أنه لا توجد تقارير كاذبة في الاوساط الاخرى، لكن الحقيقة هي أن المديرة العامة للتأمين الوطني سابقا، إستر دومنسيني، قالت في مقابلة أجريت معها: "في الوسط الحريدي والوسط العربي هناك تردٍ في الاحصائيات، حيث إن الفقر في اوساطهم أقل بكثير مما يتم نشره". وأضافت أنه اذا تم استخدام استطلاعات النفقات في المنازل بدل استطلاعات المداخيل، فسيتبين أن نسبة الفقر ستكون أقل من 40 في المئة. لذلك "الفقر في اسرائيل يقتصر على 12 في المئة لا أكثر". وهذا خلافا للمعطيات الرسمية التي تتحدث عن نسبة فقر تصل الى 19.1 في المئة.
وهناك مشكلة أخرى هي أن معطيات الفقر التي يتم نشرها تتحدث فقط عن الدخل بالشيقل، ولا تأخذ في الحسبان "الدخل العيني" الذي تحصل عليه العائلات الفقيرة مثل السكن الحكومي المدعوم وتخفيض قيمة الارنونا وتخفيض اسعار الكهرباء والمواصلات العامة ورياض الاطفال. وهذا أيضا يشوش الاحصائيات ويحتاج الى الاصلاح.
لكن لا يجب علينا أن نخطئ. فحتى لو قمنا باصلاح المعطيات فان الفقر والفجوات في إسرائيل تبقى كبيرة. والمشكلة هي أن الحكومة لا تهتم بالفعل. في هذا الاسبوع حصلت الاحزاب الحريدية والبيت اليهودي على اضافة ملياري شيقل تم تحويلها الى المعاهد الدينية من اجل تخليد الحاخامات، والى المستوطنات والخليل، وتعزيز أمن المواصلات في "المناطق". هذه اموال كان يجب أن تذهب لتمويل التعليم في الوسط العربي والاستكمال المهني والمواصلات العامة لتسهيل الخروج الى العمل، وزيادة ضريبة الدخل السلبية ورفع الحد الأدنى للأجور.
لكن عندما تذهب الاموال الى عمونة والى المستوطنات والحريديين، فما الغريب أن تكون نسبة الفقر مرتفعة؟

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف