- الكاتب/ة : عوديد شالوم واليئور ليفي
- تصنيف المقال : بالعبري
- تاريخ المقال : 2016-12-23
التقينا بالمقيمة فريدة زبرتسكي قرب منصة الاستقبال في مدخل فندق «دبلومانت». لم تسحب معها حقيبة سفر. فهذا كان ذات مرة فندقا مقدسيا، ويستخدم اليوم منزلا عاما للمهاجرين كبار السن من دول رابطة الشعوب. وهو يقع جنوب شرق المدينة، في هوامش حي ارنونا، في طرف شارع دافيد بلوسر، بمحاذاة القنصلية الأميركية العامة. اعيد توزيع الغرف الـ 600 في الفندق لتصبح 510 غرف، بمساحة 16 مترا مربعا في معظمها. ويسكن فيها اكثر من 500 شيخ من الناطقين بالروسية معظمهم يعيشون على مخصصات التأمين الوطني ووزارة الاستيعاب. وكانت وزارة الخارجية الأميركية اشترت الفندق في حزيران 2014 من دوف شيف. فالأميركيون فكروا لسنوات الى الامام. فمبنى الفندق والارض التي يقام عليها يسمحان بتوسيع القنصلية، التي تقدم الخدمات لسكان غرب وشرق القدس، لتصبح نطاقا واسعا يمكنه أن يكون سفارة. وهذا لا يعني أن الأميركيين تحت إدارة اوباما كانوا يفكرون بنقل السفارة من تل ابيب الى القدس، فاوباما لم يعتزم عمل ما لم يعمله اي رئيس قبله. ولكن ما قد يكون خطط له كرؤيا للآخرة يبدو اليوم أقرب من أي وقت مضى. إذ سيدخل الى البيت الابيض دونالد ترامب، الذي وعد اثناء حملته الانتخابية بنقل السفارة، والاشخاص الذين يحيطون به يوضحون بأنه مصمم على أن يفي بوعده. فقد قالت كليان كونوي، مديرة حملة انتخابات ترامب، الاسبوع الماضي، ان «نقل السفارة ذو اولوية عليا جداً من ناحية ترامب». ترامب لا يتلعثم في منظومة العلاقات بين الدولتين يعتبر نقل السفارة من تل ابيب الى القدس مسألة حساسة. ففي العام 1995 بادر الجمهوري نيوت غرينغريتش الى قانون لنقل السفارة الى القدس. وقد اجيز القانون مع نجمة تحذير على شكل مادة تمنح الرئيس الصلاحية بتأجيل تطبيق القانون لاعتبارات «مصلحة الأمن القومي». ومنذئذ وعد بيل كلينتون وجورج بوش الابن في حملتيهما للانتخابات بتطبيق القانون، ولكن ما أن دخلا البيت الابيض حتى وقعا على امر رئاسي في كل نصف سنة بتأجيل التنفيذ. ولم يكن الأميركيون وحدهم الذين أخذوا جانب الحذر في تنفيذ هذه الخطوة. فمحافل في الحكم الاسرائيلي ايضا حذرت على مدى السنين من أن نقل السفارة الى القدس من شأنه أن يثير موجة عنف حادة من الفلسطينيين تنتشر من شرقي المدينة الى ارجاء الضفة الغربية. وينبع التخوف من مكانة القدس الخاصة حسب القانون الدولي. ففي قرار الامم المتحدة 181 في 29 تشرين الثاني 1947 تقرر أن تكون القدس جسما منفصلا (corpus separatum) لا يكون تحت سيطرة يهودية أو عربية. وتأكد هذا الموقف مرة اخرى في قرار 194 بعد «حرب الاستقلال». ومنذئذ وصفت مكانة القدس بانها «غير محلولة». وباستثناء اسرائيل لا توجد اي دولة في العالم تعترف بالقدس كعاصمة لاسرائيل، ولا توجد في المدينة أي سفارة. والسفارتان الاقرب الى القدس هما سفارتا ارغواي وبوليفيا، وكلتاهما توجدان في مفسيرت تسيون، التي لا تعتبر جزءا من المدينة. في هذا الاسبوع تجولنا بين المواقع المختلفة في القدس التي يوجد فيها نشاط لممثليات أميركية وفي مواقع تملكها وزارة الخارجية الأميركية – القنصلة في شارع أغرون، القنصلية في حي ارنونا، ونطاق فندق دبلومانت والمبنى الكائن في شارع نابلس والذي اغلق، مؤخرا، والارض المفتوحة في نطاق اللنبي بين غرب وشرق المدينة ولم يبنَ بعد. كل واحد من هذه المواقع يمكن أن يشكل مكانا مناسبا للسفارة الجديدة، وكل واحد منها يحمل معاني مصيرية ومتفجرة. هل سيكون ترامب الرئيس الاول في التاريخ وفي العالم الذي يعترف بالقدس كعاصمة إسرائيل؟ وبأي قدس سيعترف: تلك التي قبل 1967 أم القدس الكبرى، بالاحياء والقرى والسكان الفلسطينيين الذين ضموا اليها؟ مبدئيا، يتطلب الانتقال الكثير من التفكير والحذر. من ناحية لوجستية، لا يحتاج تقريبا الى أي شيء. فمركز النشاط الحالي، السفارة في تل أبيب، هو هدف محصن، ولكن القنصليات في القدس هي الاخرى محمية بأعلى مستوى. اذا تقرر نقل كل مركز الثقل الى القدس فان الامر قابل للتنفيذ. من ناحية أخرى يحتمل أن يبقى معظم النشاط في تل أبيب فيما ينتقل مكتب السفير فقط الى العاصمة موضع الخلاف. ويقول رئيس بلدية القدس نير بركات انه «في المدى الفوري يمكن أن يتقرر صباح غد نقل مقر السفارة الى مكان يرفرف عليه منذ الان علم الولايات المتحدة. هذا لا يحتاج الا الى يافطة جديدة ونقل كرسي وطاولة». «مسألة القدس انتهت» عملت الممثلية الأميركية الاولى في القدس من حارة النصارى في البلدة القديمة ابتداء من العام 1844. في نهاية القرن التاسع عشر انتقلت القنصلية الى مبنى عثماني في شارع القنصليات، الذي اصبح لاحقا شارع الانبياء. في العام 1912 استدعت القنصلية مرة اخرى شركة نقليات، لتنتقل الى منزل سكني كبير بجوار مقبرة ماميلا. هذا المبنى، في شارع اغرون رقم 18، يعمل حتى اليوم قنصلية أميركية، ويمكنه أن يشكل مكاناً للسفارة اذا تقرر ذلك. مائير ترجمان، نائب رئيس البلدية والقائم باعماله ورئيس اللجنة المحلية للتخطيط والبناء، يقول انه على مدى السنين يشكو جيران القنصلية من المشاكل التي تنشأ جراء نشاطها. في العام 1952، تحت الحكم الاردني، بدأت تعمل في شارع نابلس في شرقي المدينة قنصلية أميركية خدمت الفلسطينيين سكان القدس والضفة، بينما واصلت القنصلية في شارع أغرون خدمة سكان غربي المدينة. وبعد حرب «الايام الستة» انقسم العمل بين الممثليتين: قدمت القنصلية في شارع نابلس الخدمات القنصلية، فيما عملت القنصية في شارع أغرون في المواضيع السياسية. في العام 2003 بدأت اقامة القنصلية الجديدة في حي ارنونا. وهذا نطاق هائل من نحو 19 الف متر مربع خطط مسبقا ليكون أيضا خيارا للسفارة مع التكييفات اللازمة. وأدى افتتاح القنصلية مع حلول العام 2009 الى اغلاق الممثلية في شرقي المدينة. وعندما سرنا، هذا الاسبوع، حول السور العالي للقنصلية في شارع نابلس، حيث كانت على مسافة غير بعيدة منه بوابة مندلبوم وجدناها مقفرة ولكن لا تزال محروسة جيدا. وتوقف نشاطها قبل ست سنوات وتعمل اليوم مركزا ثقافيا أميركيا، وفرعا للقنصلية العامة في القدس. تملك وزارة الخارجية الأميركية عقارا آخر في المدينة. بعد نحو ثلاث سنوات من سن قانون نقل السفارة الى القدس في الكونغرس الأميركي، اتخذت الحكومة الاسرائيلية خطوة بهدف تشجيع الأميركيين على تنفيذ الانتقال. ومن خلال مديرية أراضي اسرائيل استأجرت وزارة الخارجية الأميركية قطعة أرض بمساحة 31 دونما في زاوية شارعي الخليل ويانوفسكي. وهذه قسيمة بور مسيجة مع قليل جدا من الاشجار ومعروفة باسم «نطاق اللنبي» كانت حتى 1967 على خط التماس بين غرب وشرق المدينة. وقد استأجرت الولايات المتحدة الارض لمدة 99 سنة مقابل دولار أميركي واحد في السنة. في عقد الاستئجار كتب أنه سيقام في الارض مبنى دبلوماسي، ولكن لم يتحدد أي نوع من الممثلية سيكون المبنى. وبعد وقت قصير من ذلك ادعى الفلسطينيون بان النطاق في معظمه كان ذا ملكية فلسطينية حتى العام 1948، وان اسرائيل صادرته من مالكيه. اما الأميركيون فادعوا بانه قبل التوقيع على العقد لم يكن اي دليل أو شهادة على ملكية عربية على الارض، ولكن كان واضحا انهم يفضلون الا يدخلوا انفسهم في مشكلة قانونية – سياسية. ورغم الحذر الأميركي يقول ترجمان ان اللجنة المحلية للتخطيط والبناء تعاملت مع مكانة الارض وفقا للرؤيا المستقبلية: فمخطط البناء في المنطقة ومنذ عقد التأجير لا يسمح بالبناء حول هذه الارض عاليا بنصف قطر 300 متر. واذا ما بنيت هناك في المستقبل سفارة، فان هذا سيكون جزءا من الترتيبات الامنية التي يطالب بها الأميركيون». كما أن خيار فندق دبلومانت لا يبدو واقعيا في المدى الزمني الفوري. فقبل نحو سنتين تم تمديد عقد الايجار لوزارة الاستيعاب هناك حتى 20 حزيران 2020. من الواضح أن طبيعة السكان، حالتهم الاقتصادية المتردية، واعمارهم الكبيرة لا تسمح باخلاء فوري. وحتى بعد مغادرة الشيوخ للمكان يحتاج المبنى الى اعادة ترميم جذرية. وكما يبدو المبنى، هذا الاسبوع، لعله من الضروري هدمه واقامة مبنى جديد مكانه. ومثل هذا المشروع قد يستغرق سنوات طويلة. يعتقد قنصل اسرائيل السابق في نيويورك، آسي شريب، بان بركات يبالغ قليلا في تفاؤله، ومن جهة اخرى ليس مستعدا ليقدر بيقين بان ترامب سيتراجع عن وعده. ويقول: «هذه خطوة ستشكل تغييرا ذا معنى هائل في السياسة الأميركية في المنطقة. فمن اللحظة التي تنقل فيها السفارة الى القدس فانك تطلق للفلسطينيين رسالة بان مسألة القدس انتهت. هذه خطوة بعيدة الاثر. قول يقضي بانه يمكن الحديث في كل المواضيع باستثناء القدس. لو كان ترامب سياسيا عاديا لقلت انه لا أمل لهذا. ولكن ترامب ليس مجرد سياسي آخر. فقد انتخب كي يهز المسلمات القديمة». حمامة السلام اختفت الفلسطينيون من جهتهم متحفزون لدخول الرئيس المنتخب الى البيت الابيض. فانتصار ترامب في الانتخابات فاجأ القيادة الفلسطينية جدا. وفي ذروة الحملة لم يحافظوا على ضبط دبلوماسي للنفس كلما اطلق ترامب تصريحات تروق لاذان اليمين في اسرائيل. في ايلول، بعد لقاء مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، حين قال ترامب انه اذا انتخب رئيسا فستعترف الولايات المتحدة بالقدس كعاصمة لاسرائيل غير قابلة للتقسيم، نشر امين سر اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف، صائب عريقات، بيانا غاضبا قال فيه ان «هذا التصريح يمثل استخفافا بالقانون الدولي». تصريحات سابقة لمستشاره في الشؤون الاسرائيلية، ديفيد فريدمان، تشير الى هجر تام لحل الدولتين، القانون الدولي، وقرارات الامم المتحدة. لم يتصور عريقات بانه بعد ثلاثة اشهر من ذلك سيكون ترامب هو الرئيس المنتخب وفريدمان هو سفيره المرشح لاسرائيل. وحين ظهرت التقارير عن امكانية نقل السفارة الأميركية الى القدس قال عريقات ان هذه خطوة ستؤدي الى هدم المسيرة السلمية، وستجر المنطقة الى مسار الفوضى. وعندما تحدثنا اليه، هذا الاسبوع، بدا قلقا جدا. إذ قال ان «هذه ستكون نقطة انعطاف ليس فقط للفلسطينيين بل ولباقي العالم العربي ايضا. اذا اعتزمت الولايات المتحدة الاعتراف بضم شرقي القدس فان السلطة الفلسطينية لن يكون لديها ما يجعلها تعتقد بان الولايات المتحدة ستكون شريكة للسلام، وسنكون ملزمين باتخاذ نهج جديد واعادة التفكير بفكرة المسيرة السلمية. وكما قلت سابقا لن تكون هناك حاجة للاعتراف باسرائيل». وعاد عريقات من زيارة الى الولايات المتحدة لخوض حوار وصف بانه «استراتيجي». ولم تولد الزيارة أملا كبيرا للفلسطينيين لا بالنسبة للمستقبل القريب ولا للبعيد. ومع ذلك فقد قال عريقات، الذي وصف الحوار بانه ممتاز: «أعرف أن الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات، ولهذا فاني اؤمن بان السفارة ستبقى حيث هي اليوم». وبعد حديثنا مع عريقات توجهنا للقاء زياد الحموري، الذي يدير مركز القدس لحماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لسكان شرقي المدينة. وعند لقائنا الحموري كان على طاولته عدد يوم الثلاثاء من صحيفة «القدس» وفيها كاريكاتير لصورة ترامب يمسك قفصا مليئا بحمامات السلام البيضاء التي نجحت في كسر شبك القفص والاختفاء في الافق. الرسالة واضحة. انتخاب ترامب يدفع الفلسطينيين الى فقدان الامل الهزيل باي بتسوية سياسية. ويقول الحموري ان «الفلسطينيين في شرقي المدينة يعتبرون وجود اسرائيل هنا احتلالا. اؤيد اتفاقات اوسلو وكذا قسم كبير من الجمهور الفلسطيني، واريد أن اذكر الأميركيين بان هذه الاتفاقات وقعت في ساحة البيت الابيض. وفي الاتفاقات تعتبر القدس واحدة من المسائل التي يجب البحث فيها. «اذا فتحت الولايات المتحدة سفارة في القدس فسيكون هذا اعترافا بالسيادة الاسرائيلية على شرقي المدينة، وأن شرقي المدينة هو جزء من عاصمة اسرائيل. الجمهور الفلسطيني لن يترك هذا يمر بصمت. فهذا شيء لا يمكن لنا أن نتوقع كيف سيتطور ولكني بالتأكيد اعتقد بانه سيكون هناك رد حاد. هذه ليست فقط نهاية مسألة القدس. فبدون شرقي القدس لا دولة فلسطينية. وهكذا فان هذه خطوة معناها انهاء المسألة الفلسطينية. أي أنه لم تعد قصة فلسطينية. فهل حقا ترون أن هذا يحصل؟».