لا يمكن للغضب والإحباط في أعقاب قرار مجلس الامن أن يشكل بديلاً لتقدير واعٍ للواقع. مثلما في كل مسألة، من المهم قبل كل شيء فهم ما هي المشكلة.
وبالفعل، المشكلة الأساس ليست موقف اوباما من دولة اسرائيل ومن يقف على رأسها. المشكلة الاساس حيال العالم هي التفسير المختلف لمفهوم «الاحتلال».
تدعي إسرائيل بأن هذه ليست منطقة محتلة، سواء لانها لم تحتل من اية دولة أخرى، أو لان لنا حقا تاريخيا في هذه القطعة من الأرض.
العالم لا يجادل بشأن هذا، بل يمكنه حتى أن يقبل هذه الادعاءات ويوافق على أنه لاعتبارات أمنية توجد لاسرائيل مصالح شرعية في هذه الارض.
الاسرة الدولية لا تتعاطى على الاطلاق مع الارض، بل تتعاطى فقط مع الناس.
الفلسطينيون، الذين يعيشون في هذه المنطقة، إنما يعيشون تحت الاحتلال، وهذه ظاهرة غير مقبولة في القرن الـ 21. صحيح أنه توجد اقليات مقموعة في عشرات الاماكن الاخرى في العالم، مثل الشيشان في روسيا، التبت في الصين، والاكراد في تركيا، غير أن لهذه الاقليات مواطنة في الدولة القامعة لهم، وعليه فهم بشكل رسمي على الاقل مواطنون متساوو الحقوق. ليس هذا هو الوضع في الضفة. هنا شعب واحد يسيطر عليه شعب آخر دون أن تعرض عليه المواطنة.
هذا هو جذر المواجهة بين اسرائيل وبين الأسرة الدولية. هذا أيضا هو السبب الذي جعل العالم لا يزعجنا في هضبة الجولان.
ظاهراً، الجولان هو أرض «محتلة أكثر» من الضفة، لأنه احتل من دولة كانت لها حقوق معترف بها (سورية)، بينما لم يكن للأردن حقوق معترف بها في الضفة لأنه هو نفسه سيطر عليها بشكل غير قانوني في العام 1948.
غير أن العالم لا يهتم بالنزاعات الإقليمية بين الدول: فتوجد كهذه العشرات في العالم، والنزاع حول الجولان هو نزاع واحد آخر كهذا، ولكن العالم، كما أسلفنا، حساس بالفعل للناس الذين يوجدون تحت الاحتلال.
الحل المتفق عليه في العالم للنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني هو «حل الدولتين»، والذي يفترض في النظرة المقبولة أن يضع حدا لـ «ظاهرة الاحتلال».
ومع ذلك، يعرف العالم أيضا كيف يكون صبورا ويفهم أنه بسبب الاحتياجات الامنية والسلوك الفلسطيني لا يمكن الوصول إلى تسوية دائمة صباح غد.
وكان الصبر قائما طالما كان يبدو أنه يوجد أمل واقعي للوصول إلى تسوية مستقبلية. لقد خلق نشاط توسيع المشروع الاستيطاني الاحساس بأن اسرائيل ترغب في تخليد الوضع القائم، وهذا ما ليس مقبولاً من الأسرة الدولية.
ما يزعج الأميركيين ليس البناء داخل المستوطنات، بل توسيعها الذي يعبر عن نفسه بالاستيلاء على المزيد من الاراضي.
وقبل 12 سنة اقترحت الولايات المتحدة الصيغة الآتية: نتعاطى مع الوضع القائم كمعطى، ونرسم على الخريطة دائرة حول كل المستوطنات (بما فيها المنعزلة) كما هي. تتعهد اسرائيل بعدم توسيع أرض المستوطنات، ولكن يمكنها أن تبني داخل الحدود المرسومة قدر ما تشاء. مثل هذا الشكل يمكنه الاستجابة لاحتياجات «الزيادة الطبيعية» إلى جانب تجنيد البعد الاقليمي. لو كنا وافقنا لأخذنا من الولايات المتحدة شرعية بحكم الامر الواقع للمستوطنات.
ولكن اسرائيل رفضت العرض، امتنعت عن عرض اي شيء آخر، وفتحت ثغرة لقرار أكثر خطورة بكثير.
ثمة لهذا درسان بسيطان: الأول هو أن «الاعلام» لا يمكنه أن يشكل بديلا عن التعريف الواقعي للمشكلة؛ والثاني هو أنه من الأفضل احيانا قبول صيغة تلبي 80 في المئة من مصالحها على المخاطرة في رغبة المزيد.
هاتان النصيحتان مطروحتان الان أيضا. بدلا من الانطلاق في «حملة ثأر» ضد كل العالم وزوجته، من المرغوب فيه وضع سياسة في اساسها ثلاثة مواضيع: وقف قانون التسوية؛ استعداد لتطبيق العرض الأميركي القديم مثلما فصل أعلاه؛ فصل موضوع القدس عن كل ما تبقى (حتى «صيغة كلينتون» اعترفت بأن الاحياء اليهودية من المدينة ليست جزءا من الأرض المحتلة).
يمكن للولايات المتحدة وأوروبا أن تقبلا تسوية مؤقتة كهذه، قد توقف الانجراف الخطير.


لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف