يقوم النظام السياسي الفلسطيني على دعامتين متلازمتين هما : 1- مؤسسة الرئاسة ، و2- مؤسسة المجلس التشريعي ، لا يصلح أحدهما دون الأخر ، فالتلازم وجُوبي هنا ، حماية لمصالح الشعب صاحب المصلحة في إستتباب النظام السياسي ، والمرصود لخدمة الشعب الفلسطيني خلال المرحلة الأنتقالية بإعتبار الشعب هو الهدف الأعلى لمبرر وجود النظام وإستمراريته ، ولذلك لم يكن صدفة أن المشرع الفلسطيني أوجد هذا النظام وفرض هذا التلازم ، بهدف خلق التوازن المطلوب بين المؤسستين حتى في ظل الرئيس الراحل ياسر عرفات صاحب الولاية والشخصية الأعتبارية غير العادية ، وصاحب الدور الأساسي والمركزي لإستعادة الشعب العربي الفلسطيني هويته الوطنية التي كانت مبددة ، ونيل منظمة التحرير دورها التمثيلي الموحد فلسطينياً وعربياً ودولياً ، وصاحب قرار عودة الملف الفلسطيني من المنفى إلى الوطن ، ومع ذلك رضي أبو عمار بالتوازن المطلوب بين المؤسستين الرئاسية والتشريعية وإعتمد عليه وتعايش معه ، وإلتزاماً بالنظام ترسخت الوقائع التالية وغدت بمثابة معايير وتجارب قوية ذات دلالة مستمدة من روح النظام السياسي المزدوج وتعبيراً عنه :
أولاً : قبل الرئيس محمود عباس نتائج الأنتخابات التشريعية عام 2006 ، وتعامل معها وكلف إسماعيل هنية رئيس كتلة حركة حماس النيابية بتشكيل حكومة حزبية من لون واحد ، طالما أنها تملك رصيداً من الثقة التشريعية يتجاوز الأغلبية المطلقة ( نصف + واحد ) ، وهكذا واصل النظام طريقه بوجود رئيسين للنظام من تنظيمين مختلفين : فتح وحماس .
ثانياً : بعد قرار حركة حماس وإنقلابها الذي أطلقت عليه " الحسم العسكري " في حزيران 2007 ، وإستولت منفردة على قطاع غزة ، سعت لنزع الشرعية عن الرئيس المنتخب محمود عباس ، ولكنها فشلت في مسعاها ، ليس لأن المعطيات المحلية والعربية والدولية لا تسمح لها بذلك وحسب ، بل لأن النظام والقانون لم يسعفها ولم يوفر لها غطاء قانونياً أو دستورياً لتحقيق مسعاها ، رغم سيطرتها المنفردة على الشطر الجنوبي من السلطة الفلسطينية ، ورغم إمتلاكها للأغلبية البرلمانية ( 74 نائباً من 132 أعضاء المجلس التشريعي ) .
ثالثاً : حينما إنتهت ولاية الرئيس وولاية المجلس التشريعي ، وإستنفذا مواعيدهما الدستورية ، وتوقيت إجراء الإنتخابات للمؤسستين ، لم يكن بُدا للمجلس المركزي الفلسطيني صاحب الولاية الوطنية الأعلى ، وصاحب الأختصاص في قرار تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية ، في تونس عام 1993 حينما أقر إتفاق أوسلو ، وإعتمماداً على قراره السابق هذا إتخذ قراراً في بداية عام 2010 في رام الله بتمديد ولاية المؤسستين معاً ، تمديد ولاية الرئيس وتمديد ولاية المجلس التشريعي ، على الرغم من محاولات البعض في العمل على تمديد ولاية الرئيس منفرداً دون المجلس التشريعي ، ولكن أغلبية أعضاء المجلس المركزي رفضوا ذلك بمبدئية وبإصرار معتمدين على النظام السياسي الفلسطيني الذي يقوم على الدعامتين المؤسستين المتلازمتين ، وهكذا إتخذ المجلس المركزي الفلسطيني قراره بتمديد الولايتين للرئاسة وللمجلس التشريعي ، حتى إجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية للسلطة الوطنية الفلسطينية معاً حينما تتوفر الظروف والمعطيات لإجراء هذه الإنتخابات .
رابعاً : على الرغم من عدم تلقي أعضاء المجلس التشريعي النواب الخمسة ما يفيد بنزع الحصانة البرلمانية عنهم ، فقد رفضت كافة الكتل النيابية قبول القرار أو تشكيل غطاء له حتى من نواب حركة فتح التي يرأسها الرئيس ، ذلك أن القرار معدوم الصواب ، ولا يملك السند القانوني والغطاء الدستوري لتنفيذه ، ولكنه فرض إستدارات سياسية ، فرضت نفسها على طرفي الخلاف السياسي الفلسطيني ، بين فتح وحماس ، فقد وفر القرار أرضية سياسية ودوافع حزبية حتى تلتقي كتلة الجناح الثاني من حركة فتح التي يقودها النائب محمد دحلان ، تلتقي مع كتلة حركة حماس وشكلا معاً قراراً برلمانياً وفر النصاب القانوني لعقد جلسة للمجلس التشريعي يوم الأربعاء 21/12/2016 على خلفية قرار الرئيس ، وبذلك شكل قرار عودة العمل للمجلس التشريعي محطة سياسية ونقلة نوعية لها ما بعدها من توجهات ورؤى وقرارات ، مما يلغي الفترة السياسية التي وظفت خلالها مؤسسة الرئاسة منفردة إدارة النظام السياسي الفلسطيني للسلطة الوطنية بدون العودة لتفعيل وعمل المجلس التشريعي منذ حزيران 2007 .
قرار مؤسسة الرئاسة لرفع الحصانة البرلمانية عن نواب المجلس التشريعي الخمسة ، تم توظيفه لعقد المجلس التشريعي بعد أن توفر النصاب لعقده ، ولكن ذلك لم يوفر الغطاء السياسي من كافة الكتل النيابية لقبول الأنعقاد والمشاركة في جلسته ، فقد تحفظت الجبهة الشعبية على إجراء الدعوة وشكل الأنعقاد الذي يستوجب دعوة الرئيس له حتى تكتمل الخطوات الإجرائية فقد إنتقد النائب جميل المجدلاوي بإسم كتلة أبو علي مصطفى صيغة الدعوة وإعتبرها غير مناسبة ، وأنها تزيد المشهد الداخلي الفلسطيني تعقيداً على تعقيد ، إذ كما قال " كان ينبغي أن يتم الأنعقاد على قاعدة التوافق الوطني ، وأن يسبق ذلك حواراً فلسطينياً بين مختلف الأطراف والكتل البرلمانية ، حتى يكون تفعيل عمل المجلس التشريعي خطوة في الأتجاه الصحيح ، تستجيب لضرورات الكفاح الوطني من جهة ، وترتيب البيت الفلسطيني من جهة أخرى " .

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف