اتخاذ قرار 2334 في مجلس الأمن هو هزيمة قاسية لاسرائيل، وبشكل يعاكس نية الدول التي صوتت له – مسمار آخر ايضا في التابوت المجمد لمسيرة السلام. فالتدهور الى نقطة الدرك الاسفل الحالية هو خليط من استراتيجية فلسطينية تمثلت بتفضيل تدويل النزاع على المفاوضات المباشرة مع اسرائيل، مع أخطاء جسيمة لإدارة أوباما وحكومات نتنياهو.
جذر المشكلة هو قراءة مغلوطة من أوباما ونتنياهو للواقع. فإدارة اوباما لم تفحص سلامة فرضياتها لتقدم حل النزاع وفهم الدينامية بين الطرفين. وبرز على نحو خاص عدم قدرتها على أن تتبين بأنه في الرأي العام الإسرائيلي ليس حكم القدس كحكم "يهودا" و"السامرة"، وأنه لا يوجد استعداد لتحمّل مخاطر أمنية. فتجاهل كتاب بوش لشارون (2004) كان غريبا، ومثله ايضا القاء معظم الذنب على اسرائيل في ظل تجاهل نصيب الفلسطينيين في الجمود المتواصل.
إسرائيل من جهتها تدفع ثمنا بسبب قراءة اشكالية ومغلوطة من جانب نتنياهو للساحة الأميركية في السنوات الاخيرة، وأكثر من ذلك: للساحة الدولية. فالفجوة بين خطاب رئيس الوزراء في الامم المتحدة، والذي تنبأ فيه من أماني قلبه بنهاية عصر الاغلبية التلقائية ضد اسرائيل، وبين التصويت الجارف ضدها في مجلس الأمن، تشير الى تشويه فكري خطير. فما بالك أن هذه ليست خطوة يمكن أن تعلق بالطبيعة المناهضة لاسرائيل في مؤسسات الامم المتحدة بل بتصويت جارف لاصدقائنا الافضل، بما في ذلك "الحليفة" الجديدة روسيا.
ولكن رغم الغضب والإحباط في اسرائيل، فأهم من ذلك توجيه النظرة الى المستقبل مما الى الانشغال بالتحليل التالي وبالندم. فالاحساس بالاهانة، الخيانة، والغضب ليس اساسا لسياسة متوازنة وناجعة. وعليه، فينبغي تعليق الرد السياسي حتى دخول ترامب البيت الابيض. فالخطوات المتطرفة ستؤدي فقط الى تعميق عزلتنا السياسية. وفي هذا السياق فان هجمة نتنياهو على الدول التي أيدت القرار هي خطوة متهورة وزائدة. يجدر بنا ان نسأل هل المصلحة الاسرائيلية هي تشجيع المقاطعة الذاتية، والتي ستكون بشكل عبثي اكثر نجاعة من كل خطوة اتخذتها حركة الـ "بي.دي.اس" حتى اليوم؟
بدلا من التنطح للدول الرائدة في العالم، يجب العمل على وقف كرة الثلج ومنع خطوات اخرى ستستغلها إدارة اوباما حتى نهاية ولايتها. في نظرة الى 20 كانون الثاني، من الصحيح الاعداد والترسيخ للاستراتيجية الاسرائيلية بعيدة المدى حيال الادارة الجديدة في واشنطن على اساس ثلاث فرضيات: ادارة ترامب ستكون أكثر وداً لاسرائيل بكثير؛ العودة الى المفاوضات ليست ممكنة عقب الرفض الفلسطيني، حتى قبل قرار 2334 ولا سيما بعده؛ الوضع الراهن ليس جيداً لاسرائيل.
وعليه، فيجب المبادرة الى تغيير يبقي افق حل الدولتين، ولكنه يؤدي الى هناك بالطريق الممكن في الظروف الحالية. بمعنى، التقدم نحو الانفصال عن الفلسطينيين بطريقة منضبطة، حذرة وصبورة تحمي المصلحة الاسرائيلية لتقوم دولة يهودية، ديمقراطية، آمنة وعادلة، ترمم مكانتها السياسية والاخلاقية في العالم.
على اساس هذه الفرضيات من الصحيح أن نعرض على إدارة اوباما اقتراحا اسرائيليا لأمور عملية. صحيح أن اسرائيل ستنتقل الى استراتيجية تميل الى الفاعلية، في مركزها توافقات مع الولايات المتحدة على التمييز بين الاستيطان في الكتل والمستوطنات المنعزلة، حيث تجمد البناء. في نظرة أوسع، من الصحيح أن تثبت اسرائيل التزاما بافق الدولتين في المستقبل، من خلال سلسلة أعمال لتغيير الميول الحالية تبادر اليها بنفسها.
الولايات المتحدة هي الحليف الاهم لنا، واحيانا الوحيد. حذار أن تنجر اسرائيل الى مواجهة جمهورية – ديمقراطية، ومن الحيوي أن تعود لتلقي الدعم من الحزبين. من المهم العودة لاستقرار الثقة بين الدولتين، ولا سيما بين الزعيمين – الثقة التي انتهكت من الطرفين في السنوات الاخيرة.
*رئيس معهد بحوث الامن القومي.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف