موقف رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو (67 عامًا) من قرار مجلس الأمن حول المُستوطنات ومن خطاب وزير الخارجيّة الأمريكيّ، جون كيري، كان لافتًا ومنفلتًا للغاية واجتاز حدود اللباقة السياسيّة.
مُضافًا إلى ذلك، وربمّا الأهّم، أنّ نتنياهو ومساعديه ومستشاريه ووزراء في حكومته، وظّفوا الحدثين لصرف أنظار الرأي العام في الدولة العبريّة عن قضية الفساد، المُتورّط بها الرجل، بحسب الشبهات.
منذ اعتلائه سُدّة الحكم قبل 8 أعوام استخدم رئيس الوزراء الإسرائيليّ تكتيكًا واحدًا لاستدرار عطف مُواطنيه وتأييد دول العالم الغربيّ: العالم ضدنا لأنّه يُعادي الساميّة، وذلك بهدف تبرئة سياساته من المسؤولية عن الإدانة الدوليّة واتسّاع حركة المقاطعة وانتشار العزلة الدوليّة التي تعتبرها تل أبيب تهديدًا إستراتيجيًا.
أمّا الرسالة الأخرى التي ينطوي عليها الردّ الغاضب، والتي يسعى نتنياهو لتسويقها، فهي رسالة حقّ إسرائيل في الردّ على القرار بالمزيد من فرض الأمر الواقع، ولا نُجافي الحقيقة إذا جزمنا أنّ نتنياهو سيُسجَّل في تاريخ إسرائيل، ليس فقط بسبب طول فترة رئاسته للحكومة التي جاوز فيها بن غوريون، بل كأكثر رئيس وزراء تجري ضدّه تحقيقات إعلامية وفحص قانونيّ يتعلّق بالفساد وسوء الإدارة، فما أنْ تنتهي زوبعة تحقيق وإثارة شبهات بالفساد أوْ سوء الإدارة، حتى تبدأ زوبعة تحقيق أخرى، ومن جميعها تقريبًا يخرج لسبب أوْ لآخر دون إدانات قوية، لكن مع الكثير من الخدوش والجروح التي تغتال نزاهته بالتدريج، وتعمق الوعي أكثر فأكثر عن فساده وعن قدرته دومًا على التملص، وكأنّ هذه التحقيقات لا تهدف منذ البداية إلى إسقاطه بالضربة القاضية، بل إلى مراكمة الطعن في نزاهته وكارثية إدارته للدولة للتأثير على الناخب لاحقًا.
ولكنّ الرياح بدأت تجري بما لا يشتهي، فقد ذكرت القناة العاشرة الإسرائيليّة مساء أمس، أنّ الشرطة توجهت بطلبٍ إلى ديوان نتنياهو لتحديد موعد إجراء تحقيق مع الأخير بتهم فساد. وأفادت المصادر القضائيّة الرفيعة بأنّ التحقيق، تحت طائل الإنذار، سيتّم مطلع الأسبوع القادم، حيث يُشتبه بأنّ نتنياهو تلقّى هدايا بصورة مخالفة للقانون والحصول على رشوةٍ ماليةٍ ضخمةٍ.
من ناحيته، كشف المُحلل المُخضرم أمنون أبراموفيتش في القناة الثانية النقاب عن أنّ نتنياهو مشتبه فيه بالحصول على إكراميات كبيرة من رجلي أعمال أحدهما إسرائيليّ والآخر أجنبيّ، دون أنْ يكشف عن اسميهما، مُضيفًا أنّه سيتّم التحقيق مع نتنياهو، في الأيام القريبة المقبلة تحت طائلة التحذير.
أبراموفيتش، الذي يحظى بتقدير واحترامٍ كبيرين لمصداقيته، أكّد خلال نشرة ألأخبار المركزيّة أمس على أنّه لا يستبعد البتّة أنْ يلجأ نتنياهو إلى تبكير موعد الانتخابات العامّة في إسرائيل لربح الوقت. علاوة على ذلك، أضاف، أنّه إذا حدث أيّ تظورٍ في التحقيق، فرُبمّا سيجد رئيس الوزراء نفسه أمام عاصفة سياسيّة وشعبيّة تُطالبه بالاستقالة، إذْ لا يُعقل أنْ يُواصل تبوأ أرفع منصب في الدولة العبريّة، وهو متهم بتنفيذ مخالفات حنائيّةٍ خطيرةٍ، على حدّ تعبيره.
بدورها، نقلت الإذاعة الإسرائيليّة العامّة عن مصادر قولها إنّ المستشار القانونيّ للحكومة الإسرائيلية أفيحاي ميندلبليت، سيشرع مطلع الأسبوع المقبل، بالتحقيق مع نتنياهو حول قضيتين، واحدة مركزية والأخرى ثانوية، ولم تُقدّم معلومات عن أيٍّ منها. وامتنعت الشرطة الإسرائيليّة عن التعليق على هذه التطورات قائلة إنّه سيتّم إطلاع الجمهور في الوقت المناسب من خلال بيان معتمد من الشرطة ووزارة القضاء.
في السياق عينه، أفادت المصادر، شرع محققو الوحدة القطرية لتحقيقات الخداع في الشرطة الإسرائيليّة بالاستعداد لمواجهة نتنياهو والتحقيق معه في قضايا فساد عديدة. وكان المستشار القضائيّ للحكومة قد أجاز للشرطة إجراء تحقيق تحت الإنذار مع نتنياهو بعدما كثرت الملفات التي تنطوي على شبهات بشأن ارتكابه مخالفات جنائية، وفي الـ12 من الشهر الجاري، كشف التلفزيون الإسرائيليّ، اجتمع المستشار إلى رئيس الوزراء وأبلغه رسميًا بقراره التحقيق معه تحت طائل الإنذار والتحذير.
وبحسب المصادر في تل أبيب، فإنّ طاقمًا من خمسة أفراد من الشرطة برئاسة قائد وحدة التحقيقات العميد كورش برونر سيجرون التحقيق مع نتنياهو في مقر رئاسة الحكومة في القدس. ولم يُعرف بعد الموعد الذي تقرر لإجراء هذا التحقيق، الذي سيبث بشكل حيّ إلى مقر قيادة الشرطة لمتابعته من جانب أعلى المسؤولين في الشرطة والنيابة العامة ومحققين آخرين.
ويضمّ الطاقم في الأساس ثلاثة ضباط شرطة من الخبراء في ملف التحقيق مع نتنياهو وهم برتبة رائد، فضلاً عن قائد الوحدة وفني لتسجيل التحقيق وبثه المباشر إلى مقر قيادة الشرطة. وأجرت الشرطة تمرينات على التحقيق مع نتنياهو بغرض الاستعداد لمواجهة كل الاحتمالات في أنماط الأجوبة التي قد تأتي على لسانه.
وكان آخر رئيس حكومة في إسرائيل تعرّض للتحقيق الفعلي أثناء ولايته إيهود أولمرت الذي جمعت الشرطة ضدّه أدلة وقرائن قادت إلى إدانته والحكم عليه بفترة سجن لسنوات يقضيها الآن.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف