عام يذهب وأخر يأتي، يتغير كل شي، الا حياة اللاجىء الفلسطيني في لبنان، الذي يطوي كل عام صفحة جديدة من صفحات الظلم والقهر والحرمان التي يعيشها في مخيمات لبنان.
مع نهاية العام الحالي، إستبشر اللاجئون الفلسطينيون خيراً بإنجاز الإستحقاق الرئاسي في لبنان، وما رافقه من توافق على تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، إنطلاقاً من حرصهم على استقرار لبنان وعافيته، ورغبتهم بأن ينعكس هذا الإستقرار في لبنان ايجاباً على أوضاعهم وحياتهم الاقتصادية والاجتماعية، خاصة وأن تغيير تلك الأوضاع التي يعيشونها تتطلب تعديلاً وتغييراً في القوانين المفترض أن يتخدها المجلس النيابي والمؤسسات الرسمية اللبنانية.
على مر السنوات الماضية لم يترك الفلسطينيون وسيلة أو طريقاً الا واتبعوه مع الجهات الرسمية والقوى السياسية والكتل النيابية اللبنانية محاولين عبر تلك المساعي شرح التداعيات السلبية على إستمرار وبقاء القوانين اللبنانية التي تحرم اللاجئين الفلسطينيين من أبسط الحقوق الانسانية والاجتماعية.
بعض القوى السياسية كانت تجاهر بموقفها الرافض لمنح الفلسطينيين تلك الحقوق، متذرعة بأن منح الفلسطينيين هذه الحقوق يؤدي الى التوطين !! وغيرها الكثير من التبريرات الواهية التي تحمل في خلفياتها نظرة عنصرية وغير إنسانية تجاه الفلسطينين.
أما القوى الأخرى والمحسوب غالبيتها على محور التضامن مع الشعب الفلسطيني، فكانت أيضاً تجاهر بمواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، لكن حينما كان يصل الأمر لملف الحقوق الانسانية فإن غالبية هذه القوى بإستثناء البعض القليل منها، كانت تقدم على المساومة وعلى منح جوائز الترضية للقوى المعارضة وتتناسى مواقفها المعلنة والمؤيدة للشعب الفلسطيني، ويغيب فعلها ودور كتلها في البرلمان اللبناني حتى لا تزعل أو تغضب هذا الطرف المعارض أو ذاك الحليف!!، ويكون في نهاية المطاف اللاجىء الفلسطيني هو ضحية هذه التسويات والمواقف العنصرية المقنَعة بأشكال مختلفة.
في العام 2010 كان البرلمانيون اللبنانيون منهمكون في نقاش بعض التعديلات المطروحة على بعض القوانين التي كانت تحرم الفلسطينيين من حق العمل وغيرها من الحقوق.. وانعقدت الجلسة العامة للبرلمان اللبناني في 17/8/2010، وهي المرة الاولى منذ العام 1948 التي تناقش فيها جلسة رسمية للبرلمان اللبناني مسألة حقوق الفلسطينيين في لبنان، حيث أقرت ادخال بعض التعديلات القانونية، وهي تعديلات محدودة جاءت كتسوية بين الاطراف السياسية والطائفية اللبنانية. فتم ادخال تعديل بسيط على المادة 59 من قانون العمل وتعديل آخر على المادة التاسعة من قانون الضمان الاجتماعي، فيما تم إستبعاد بقية الحقوق ومنها حق التملك..
كان يفترض حينها أن تشكل هذه الخطوة المجزوءة مقدمة لتحرير حق العمل، للأجراء والمهنيين، من جميع الشروط المفروضة على الاجانب وبما يعتبر إسهاماً فعلياً في تحسين الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية للاجئين. لكن مجرد إبقاء الحالة التمييزية سواء لناحية شرط الحصول على إجازة العمل أو بالنسبة لإستبعاد المهنيين الفلسطينيين من حق العمل بحرية، فهذا مؤشر سلبي اذ ليس هناك تغييرات مستقبلية في مجال عمل الفلسطينيين..
أكثر من ست سنوات مرت على هذه الجلسة البرلمانية، ظن خلالها الفلسطينيون أن مسألة الحقوق بدأت تأخذ مسارها الإيجابي، وتفاءلوا بإمكانية فتح الملف بشكل كامل بما يعيد تصويب الأمور ووضعها على السكة الصحيحة. الا أن قراءة واقعية للمشهد اللبناني وكيفية تعاطيه مع الحالة الفلسطينية يؤكد أن هناك إنحداراً سلبياً في مسار تعاطي المؤسسات اللبنانية المعنية مع الفلسطينيين في لبنان وحقوقهم الانسانية والاجتماعية.. ما يؤكد صحة االمخاوف التي عبر عنها الشعب الفلسطيني لجهة عدم ثقته بأن هناك تغييراً جدرياً في النظرة تجاه الفلسطيني في لبنان.
رغم كل هذا الإجحاف، واصل الفلسطينيون جهدهم وتحركاتهم بغية تغيير هذه النظرة السلبية وهذا التعاطي المجحف، وقدموا نموذجاً ايجابياً في تعاطيهم مع الأزمة الداخلية والسياسية اللبنانية التي مرت على لبنان طيلة السنوات الماضية، وقد نجح الشعب الفلسطيني بجميع فصائله بالنأي بنفسه خارج إطار الحالة التي شهدها لبنان وسعى على الدوام لأن يكون عنصر إستقرار في البلد برغم الكثير من الضغوط التي تعرض لها بهدف زجه في إطار الصراع الداخلي وادخاله في الإصطفافات السياسية التي شهدها لبنان خلال السنوات الماضية.
الصفحة الجديدة من صفحات الظلم والإجحاف، جاءت في تغييب البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الجديدة لأي إشارة لملف الحقوق الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، واقتصر الحديث في البيان الوزاري على النظرة الامنية وعلى دعوة الدول والمنظمات الدولية باستمرار تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وإستكمال تمويل إعادة إعمار مخيم نهر البارد.فيما تم اغفال مسؤولية الدولة اللبنانية تجاه الفلسطينيين ودورها في تخفيف المعاناة عنهم من خلال تعديل القوانين اللبنانية المجحفة.
فإذا كانت هذه هي بداية العهد والحكومة الجديدة وطريقة تعاطيها مع الوجود الفلسطيني، فهذا يؤشر على غياب الإرادة والنية الصادقة والجدية في فتح صفحة جديدة في العلاقات الفلسطينية اللبنانية المشتركة، كما أنها تبعث برسالة الى الشعب الفلسطيني بان الدولة اللبنانية غير معنية بتحسين أوضاع الفلسطينيين في المخيمات ما يعيد العلاقات الفلسطينية اللبنانية الإيجابية والآخذة بالتحسن والتطور خطوات الى الخلف. وبالتالي فمن شأن خطوة كهذه ان تزيد من حالة تهميش الفلسطينيين الذين لطالما عملوا وجهدوا من أجل تنظيم علاقاتهم بالدولة اللبنانية ..
إن تجاهل البيان الوزاري للحكومة للاحتياجات المعيشية للاجئين ومطالبهم الإنسانية يشكل تراجعاً عن المسار الايجابي الذي اتخذه البرلمان اللبناني عام 2010، وهذا ما يزيد من مشاعر القلق لدى الفلسطينيين لجهة تجاهل الدولة اللبنانية لإلتزاماتها تجاههم، كما لا يساهم في تعزيز موقف الشعب الفلسطيني وفصائله والمراكمة عليه ايجاباً، لأن المدخل لتحصين الحالة الفلسطينية والمخيمات يجب أن يكون من البوابة الاقتصادية والإجتماعية في اطار تعزيز موقف جميع الفلسطينيين المتمسكين بحقهم في العودة وفق القرار 194 وبهويتهم وبما يقطع الطريق على كل من يسعى الى العبث بأمن واستقرار الشعبين الفلسطيني واللبناني.
وأخيراً لا بد من القول إن مصداقية كل القوى الداعمة للشعب الفلسطيني وخاصة تلك الممثلة في البرلمان اللبناني باتت أمام إختبار جديد، وبات عليها أن تقرن القول بالفعل تحت قبة البرلمان اللبناني، فشعبنا يأس المواقف اللفضية عبر الخطب والمنابر، والتي يغيب صداها داخل المؤسسات التشريعية، وللقوى المعارضة نقول: تعالوا لحوار لبناني فلسطيني مشترك، توضع فيه كل الملفات على طاولة الحوار، ونساهم معاً في تبديد الهواجس، وفي إزالة رواسب الماضي التي ما زال البعض يبني مواقفه إنطلاقاً منها، ولننطلق بروحية جديدة أساسها الثقة المتبادلة والفهم المشترك للواقع المعاش وللمصلحة المشتركة، وللتحديات المطروحة وكيف مواجهتها بآلية ويعمل موحد ومشترك.
كل ما نحتاجه هو الإرادة الصادقة في فتح ملف العلاقات الفلسطينية اللبنانية بعيداً عن الأحكام المسبقة والذرائع المصطنعة، فالشعب الفلسطيني في لبنان بمختلف أطيافه السياسية والمجتمعية هو الأكثر حرصاً على لبنان وأمنه وإستقراره، والأكثر تمسكاً بحقه في العودة ومواجهة مشاريع التوطين والتهجير،فلينطلق الحوار من هذه القاعدة ومن الثقة المتبادلة، لنصون المصلحة المشتركة ونبني معاً جسور الأخوة والمحبة، من أجل أن يبقى لبنان داعماً حقيقياً للشعب الفلسطيني ونضاله من أجل حقه بالعودة، وهذا لا يتم الا من خلال تعزيز صمود اللاجئين لتمكينهم من القدرة على مواصلة نضالهم ومواجهة التحديات التي تعصف بقضيتهم.
• كاتب فلسطيني/ لبنان

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف