لقد شاهدنا محاكمة اليئور ازاريا: هكذا تبدو الخلجات الاخيرة. هكذا تبدو خلجات الموت للنظام السليم والتشوهات الاخيرة للمجتمع السليم. هكذا تبدو المساواة الشكلية أمام القانون – ماذا كان سيحدث لو أن ازاريا كان فلسطينيا – حيث أن معظم الاقنعة كانت ستمزق عن وجهه، بما في ذلك قناع الخجل. هكذا تبدو الديمقراطية التي اعتقدت أنها تستطيع البقاء بدون ازعاج في ظل وجود قمع عسكري فظ في ساحتها الخلفية. هكذا يبدو جيش الاحتلال الذي لا يزال يصر على بعض طقوس القانون والقيم.
كل شيء يتدهور باتجاه واحد، وأمام هذا المشهد توجد جهود أخيرة لوضع قناع الاستقامة – محاكمة ازاريا أو اخلاء عمونة. حيث أن موشيه يعلون وغادي آيزنكوت، القائدان العسكريان المسؤولان عن جرائم الحرب والاحتلال، تحولا الى المحافظين على القانون والاخلاق في اسرائيل، الوضع هو ما بعد اليأس. ومن الاجدر تأمل الاثنين: قريبا لن يعودا هنا. ومكانهما سيأتي من هو اسوأ منهما. أمس هدد الجمهور الواسع بـ: "غادي غادي إحذر، رابين يبحث عن صديق". يمكن أننا سنشتاق الى آيزنكوت، وهذا الامر لا يُصدق. حتى هو نفسه أصبح شيئا آخذا في الزوال. وداني كوشمارو ايضا كان أمس هدفا لهذه الثلة.
في قاعة المحكمة تقرأ القاضية العسكرية القرار بالتفصيل، القرار المفروغ منه، وهو ينفصل تماما عما يحدث في الخارج. وفي القاعة يُستقبل المتهم بالتصفيق. والصحافيون يتنافسون فيما بينهم من الذي سيكون أكثر رأفة به. وفي الخارج يهددون بالصعود على المحكمة وعلى الجيش ووسائل الاعلام، حيث أن جوقة السياسيين توجد في الخلفية.
وزراء المواصلات، التعليم والداخلية يطالبون بالعفو. وشيلي يحيموفيتش تنضم. الجهاز يصاب بالجنون: مُدان بالقتل غير العمد – بطل، رئيس اركان جيش الاحتلال – معلم للاخلاق، وزراء الحكومة – يفسدون الجهاز القضائي العسكري. والمعارضة غير موجودة. إنها طريق طويلة مرت بها اسرائيل منذ العفو الذي منح لمن سبق اليئور ازاريا، وهم قتلة الباص 300: هم لم يتحولوا الى ابطال على الأقل. ويمكن أنهم خجلوا للحظة مما قاموا به.
منذ 13 سنة لم تتم ادانة أي جندي اسرائيلي بالقتل اثناء العمليات العسكرية. وفي المرة الاخيرة التي حدث فيها ذلك كان مع الجندي البدوي الذي حبس ست سنوات بسبب الضغط الدولي (قتل مصور بريطاني). "الرصاص المصبوب" و"الجرف الصامد" مع مئات القتلى مرت بدون ادانة. اعدام الفتيات مع المقصات والشباب الذين حملوا السكاكين، مر ايضا بدون محاكمة، تحت سلطة آيزنكوت.
"هل هناك قضاة في الكرياه"؟ تقريبا لا يوجد. لم يكن ازاريا أول القتلة ولن يكون الأخير. من الجيد أنه أدين. واذا فرضت عليه عقوبة مناسبة فيمكن أن يمنع ذلك اعمال قتل اخرى، لكن الامر لا يثير الاهتمام. كاميرا بتسيلم هي التي أجبرت الجيش الاسرائيلي على محاكمته. والأدلة أجبرت المحكمة على إدانته. ولم توجد محاكمات تشبه محاكمة ازاريا. السياسيون والجمهور الواسع لم يسمحوا بحدوث ذلك.

في جوهر كل شيء توجد الكراهية للعرب. ازاريا هو بطل قومي تقريبا لسبب واحد وهو أنه قتل عربيا (الحدود بين العربي والمخرب مشوشة في اسرائيل). لقد فعل ما يرغب كثيرون بفعله، وما يعتقد الكثيرون أنه يجب فعله. لقد كان ذلك قتل بدافع الرحمة، الرحمة الذاتية للاحتلال. كم هو مسكين الجندي ازاريا الذي اضطر للوقوف على الحاجز في الخليل. وكم هم مساكين القادة الذين ارسلوه الى هناك. وكم هم مساكين الاسرائيليين الذين يضطرون الى وضع الحواجز في مدينة فلسطينية وخنق سكانها. على ذلك لا يحاكم أحد. ازاريا ليس بطلا ولا ضحية، هو خارج على القانون. وفوقه يوجد خارجين أكبر منه على القانون.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف