يعرف فادي القمبر، منفذ عملية الدهس في القدس، بشكل جيد ما هي خطوات العقاب الجماعي التي تنتظر عائلته. ويعرف أن جثته لن تسلم للعائلة من أجل دفنها، الامر الذي يعتبر خطوة مهينة ومؤلمة الى درجة كبيرة. ويعرف أن أقاربه سيعتقلون على الفور، وسيتم ضربهم أثناء الاعتقال، وأنه سيتم طرد بعضهم من عملهم في غرب المدينة، وأن بنات عائلته اللواتي لا يحملن بطاقات الهوية المقدسية، وهن متزوجات من أبناء المدينة، سيجدن أنفسهن مطرودات وبعيدات عن أولادهن، وأن عائلته ستصبح هدفا لازعاج الشرطة والسلطات لأشهر بل سنوات. كل ذلك حدث مع عائلات منفذي العمليات الذين سبقوه في شرقي القدس. ومن الواضح أنه سيتم هدم بيت العائلة. في جبل المكبر فقط، حيث يعيش منفذ العملية، هدمت اسرائيل خلال نصف سنة (من تموز 2015 حتى كانون الثاني 2016) ثلاثة منازل وأغلقت منزلين. جميعها تعود لعائلات نفذ أبناؤها عمليات. الاغلاق يعني ضخ الاسمنت داخل البيت حتى السقف. ومن المعلومات التي ينشرها مركز الدفاع عن الفرد، فانه منذ تموز 2014 حتى نهاية كانون الاول 2016 هدمت اسرائيل 35 منزلا واغلقت 7 منازل لفلسطينيين (منها 6 منازل هدمت في القدس و4 أغلقت). حقيقة أن الوالدين والأبناء والأجداد وأبناء الاخوة وبنات الاخوة الذين فقدوا مسكنهم لم يكن لهم أي دور في هذا العمل، لم تُفدهم شيئا. اسرائيل وقضاة المحكمة العليا للاستئناف يعتبرون أن الهدم هو خطوة عقابية ردعية وشرعية وناجعة ضد من ينفذون العمليات. الشيء المؤكد هو أن فادي القمبر لم يرتدع. اضافة الى ذلك: في حي مكتظ الى هذا الحد، يتكون من بضع عائلات كبيرة، هو يعرف بالتأكيد أن أولاده سيعانون، ليس فقط من فقدان الأب، بل سيصبحون عنيفين أو منغلقين على أنفسهم. واذا كانوا في المدارس سيتراجع تعليمهم. وأيضا صحتهم ستتضرر. لقد وجد المحللون والسياسيون الاسرائيليون تفسيراً لفشل الردع في حالة القمبر: «داعش»، أسير سابق، تحريض من السلطة الفلسطينية حول موضوع نقل السفارة الأميركية الى القدس، كالعادة، حيث تبحث هذه التفسيرات عن قطعة النقد تحت الضوء وليس في المكان الذي توجد فيه بالفعل. عدد من الجنود والمجندات بالزي الرسمي ليسوا مشهدا محايداً لأي فلسطيني، وليس فقط للقمبر. هكذا يبدو اولئك الذين يقتحمون في كل ليلة عشرات المنازل الفلسطينية، وكذلك من أطلقوا النار على عشرات النساء والبنات الصغار في الحواجز. أو من تم ارسالهم لقصف غزة أو من يرافقون الادارة المدنية من اجل هدم آبار المياه والحمامات المتحركة والخيام. واذا شطب الاسرائيليون هذه الحقائق من برنامج عملهم اليومي، فهذا لا يعني أنها غير موجودة. في اسرائيل سيقولون إنه لولا الردع لكان عدد العمليات الفلسطينية أكبر، أو العكس: يجب التشديد على الردع. الفلسطينيون يعتبرون أن انتقام اسرائيل جزء طبيعي من السياسة العامة ضدهم، وليس ردا على العملية. وعندما لا تقوم اسرائيل بالهدم كعقاب، فهي تهدم لأنها تريد البناء والتطوير. وهي تعتقل الاولاد من اجل خنق النضال الشعبي. ومع أو بدون حدوث العمليات هي تقوم بتوسيع المستوطنات. وتخنق الاقتصاد. وتخطط لاقتلاع الفلسطينيين من القرى والبيوت في القدس. انتفاضة الافراد غير المنظمة لا يمكنها «التحليق» والتحول الى انتفاضة شاملة. ولا يجدر البحث عن سبب ذلك في قدرة اسرائيل على الردع والايلام أكثر فأكثر. وبقدر ما تحاول «حماس» تصوير العملية كبرهان على أن «انتفاضة القدس» لم تمت، من الواضح أن الجمهور بغالبيته لا يريد ذلك. في ظل الانقسام الجغرافي والاجتماعي، وفي ظل وجود قيادات ضعيفة ومتصارعة فيما بينها، فان الجمهور الفلسطيني يدرك أن الانتفاضة هي شيء لا بد منه، لكن يجب انتظار الوقت المناسب.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف