في أواخر القرن التاسع عشر أجرى العالم الروسي، ايفان بافلوف، سلسلة من التجارب على الكلاب. فقد رأى أن الكلاب التي رباها تبدأ بانزال اللعاب في كل مرة يقرب منها الغذاء. بعد ذلك كان يرن الجرس قبل وقت قصير من وصول الطعام، ورأى انه بعد عدة مرات كان يكفي رن الجرس كي تبدأ الكلاب بانزال اللعاب. وهذا هو "رد الفعل الشرطي – البافلوفي".
يوجد بيننا أناس تبعث كل عملية في القدس لديهم نوعاً من رد الفعل هذا. توجد عملية؛ إذاً يجب تقسيم القدس. وامتداحا لكلاب بافلوف ينبغي أن نذكر أنها لم تكن واعية لأفعالها ولم تكن منهمكة.
القدس مهمة للاسلام أساسا في الجانب السياسي. فكما هو معروف، فان المدينة لا تذكر في القرآن على الاطلاق. وحتى المسلمون الذين يصلون في "جبل البيت" (الحرم) يتجهون نحو مكة. لم تكن القدس أبداً حتى عاصمة محافظة في احدى الامبراطوريات الاسلامية التي حكمت هنا. وعندما احتلها المسلمون في القرن السابع، بنوا فيها مسجدا على بقايا "جبل البيت"، كي يرثوا اليهودية سياسيا وايديولوجيا. لمئات السنين كانت مهملة ومنسية. وفقط عندما وصل الصليبيون لتحرير "القبر المقدس"، عادت وأصبحت مهمة في نظر المسلمين ايضا، وقاتلوا في سبيلها. ومرة أخرى اهملت ونسيت حتى عودة "صهيون" في عصرنا. ولما كانت في مركز وعي العائدين الى "صهيون"، تذكرها العرب ايضا، وبقيادة أمين الحسيني خلقوا ايضا "مقدسات" جديدة.
ليس فقط مكان مقدسنا ارادوا عزوه لهم، بل "الكوتل" (المبكى)، إذ هناك، كما هو معروف، ربط محمد البراق، حين طار في الحلم الى "المسجد الاقصى"، الذي حسب معتقدهم كان في "جبل البيت". وهم يدعون بأن المسجد مهم في نظرهم اكثر من أي شيء. ومليار مسلم مستعدون ليسيروا الى القدس لتحريرها. وحتى اذا لم ينجحوا في تحرير المدينة فعلى الاقل سينجحون في قتل بعض اليهود وتوزيع السكاكر بعد ذلك.
في وثيقة استر يوصف طول شجرة الشنق الكبرى التي أعدها هامان لمردخاي: 50 أمَة، أي نحو 25 مترا. نهاية القصة معروفة. هذه هي الشجرة التي شنق عليها هو وابناؤه. وفي موضوعنا كلما كانت الشجرة التي تسلق عليها العرب بتضخيم مصطنع لمركزية القدس في معتقدهم أعلى، سيصعب عليهم النزول عنها، ونهايتهم أن يتحطموا في السقوط منها أو يشنقوا عليها. مصيبة كانت بانتظارنا، لو كان العرب مستعدين "للتنازل" عن القدس و "الاكتفاء" بدولة فلسطينية في "يهودا" و"السامرة"، لكانوا وجدوا منذ زمن بعيد زعيما اسرائيليا غبيا بما يكفي أو ضعيفا بما يكفي ليوافق على التوقيع معهم على مثل هذا الاتفاق. ومن اللحظة التي كانت ستقوم فيها دولة كهذه في قلب البلاد سيكون ممكنا البدء بالعد التنازلي للزمن المتبقي على وجود دولة اسرائيل. اصرارهم على القدس كعاصمة لدولتهم سينقذنا.
المهم "ان ننفصل"
كل من يريد أن يبدو عندنا "خبيرا" ملزم بان يدخل في كل جملة تعبير "جبل البيت متفجر جدا" وأن يشرح بانه بدون "القدس عاصمة الدولة الفلسطينية" لا يحتمل التوصل لى أي تسوية سلام. بسبب هذه الادعاءات تنازلت اسرائيل عمليا عن السيادة في "جبل البيت" ووافقت على تدخل الدول الأجنبية في القدس. هذا ايضا هو تفسير التخوف المشوه لدى الكثيرين منا من نقل السفارة الأميركية الى المدينة. اذا كان هذا سيغضب العرب، ويؤدي الى اشتعال في كل الشرق الاوسط، فلعله من الافضل الطلب من ترامب الا ينقل السفارة. فلماذا نحتاج الى المشاكل؟ يسأل يهود الغيتو. لماذا نغضب المسلمين؟ ما الضير في بقاء الحال على ما هو؟
الهاذون من أوساط اليسار الاسرائيلي يعتقدون أن هذا سيجلب لهم السلام. حسنا. لقد سبق أن كتب شلومو الملك انه لا يمكنك أن تنفض الغباء عن المرء بالعصا. ولكن يوجد بينهم أيضا حكماء يعرفون جيدا باننا لن نحظى بالسلام. فلا يوجد حقا من يمكن التوقيع معه على اتفاق سلام، ولهذا فهم يؤيدون الخطوات احادية الجانب. مثلما في لبنان. مثلما في غزة. وهم يؤمنون باننا اذا انسحبنا من "يهودا" و"السامرة" ومن نصف القدس سيحبنا العالم حبا جما. مكانتنا الدولية ستتحسن. وسنتمكن من الثراء أكثر. وهم أنفسهم سيحظون بالاحترام وبالشهرة.
وعليه، فانهم لم يعودوا يسوقون هذه المصيبة كـ "السلام مقابل الارض" بل كمصلحة عليا لدولة إسرائيل، "للانفصال عن الفلسطينيين"، للحفاظ على اسرائيل يهودية وديمقراطية. ومن أجل التغلب على معارضة أغلبية الشعب على مثل هذه الخطوات التضييعية فانهم يسوقونها كخطوات امنية ضرورية. هكذا سوق حاييم رامون "جدار الفصل" في ذروة الانتفاضة الثانية. واليوم يروي لنا بان "الجدار أنقذ حياة الكثيرين". وهو واثق بان الجميع أغبياء. فاذا كان هناك "مخرب" انتحاري لا ينجح في عبور الجدار، فان بوسعه أن يتفجر في معاليه ادوميم او في أريئيل. ولما كانت العمليات شرقي الجدار قلت مثل تلك التي في غربي الجدار، واضح أن ليس الجدار هو الذي منعها بل المخابرات والجيش.
والآن، يسعى الى أن يبيع لنا هكذا تقسيم القدس. بحلو اللسان ينقض على كل عملية في القدس، وعلى الاخيرة مجددا، هذا الاسبوع. أترون؟ يقول، كونكم لم ترغبوا في الانفصال عن "القرى العربية التي ضمت الى القدس في 1967"، جاءت العملية في متنزه ارمون هنتسيف وأثبتت باننا ملزمون بعمل ذلك فورا. ليس "تقسيم القدس" لا سمح الله. بحكمته يفهم بان معظم الجمهور يعارض هذا. فقط "الانفصال عن القرى العربية". النصف الشرقي من القدس يسميه "قرى" ويأمل بان يكون الاسرائيليون أغبياء بما يكفي وكذا اولئك الذين يعارضون تقسيم المدينة سيوافقون على "الانفصال عن القرى". ومن سيدخل الى الاحياء العربية في القدس إذا ما خرجت منها اسرائيل؟ ومن سيحكمها؟ "حماس"؟ "داعش"؟ ماذا يهمه؟ المهم "ان ننفصل". أنتم لا تتعرون، بعد. ولكنكم تنزعون كل الملابس.
ولكن القدس ستنقذنا من أيدي العرب اعدائنا، مثلما أنقذتنا من أيدي "أصدقائنا" أوباما وكيري وامثالهم، وهي ستنقذنا ايضا من ايدي متذاكي اليسار الذين يسعون، بسلاسة اللسان وبلغة الخداع، ان يجتثوا من ايدي شعب اسرائيل صهيون. قلب الصهيونية. قلب شعب اسرائيل. وتسليم السيادة عليها الى ايدي العرب.
وعليه، في كل مرة يهدد فيها زعيم عربي بان نقل السفارة الى القدس سيشعل النار في كل العالم، حيوه. كل مرة يعود فيها زعيم أميركي فشل في كل العالم الى تطبيق سياسته ليزايد علينا، في طريقه الى الخروج، للتنازل عن كل الغالي والمقدس لنا – لوحوا له بتحية الوداع والى غير لقاء. ولكن في كل مرة يتذاكى فيها يسروي عند سقوط ضحايا اسرائيليين ويحاول استغلال موتهم لتقسيم القدس نددوا به. اولئك الذين جلبوا علينا ضحايا "اوسلو" و"فك الارتباط" لا يترددون في أن يجلبوا بحر دماء جديدا في القدس. ولكن محبي المدينة أكثر من كارهيها. والولاء للقدس سيتغلب على خيانتها.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف