لم يعد الرئيس أوباما أسيراً للوبي الصهيوني اليهودي الداعم للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، فمنذ خطابه في جامعة القاهرة في حزيران 2009 ، وإختياره للسيناتور جورج ميتشيل مبعوثاً لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وهو مدرك سلفاً ما حققه أسلافه كلينتون وجورج بوش ، وما أخفقوا فيه ، فعمل على لملمة ما تم تحصيله في المفاوضات وأعطى مبعوثه كل التأييد كي يصل إلى تفاهم فلسطيني إسرائيلي ، ومن ثم إتفاق مبني على ما تم إنجازه في أوسلو وما بعده ، متوهما أن نتنياهو يمكن أن يسلك طريق إسحق رابين الذي فقد حياته ثمناً لقبوله إتفاقاً مع ياسر عرفات ، ولكن مثلما قتل اليمين الإسرائيلي إسحق رابين قاموا بإغتيال ياسر عرفات .
بعد فشل هيلاري كلينتون في الوصول إلى البيت الأبيض في إنتخابات 7/11/2016 لم يعد أمام أوباما ما يخشاه وهو يعد أيامه الأخيرة في البيت الأبيض حتى مساء يوم 19/1/2017 ، ولذلك لم يتردد في العمل على معاقبة نتنياهو الذي تمادى على أوباما وتطاول عليه ، فرد له الصاع صاعين ، بدءاً من توقيع قرار تأجيل نقل السفارة الأميركية في شهر تشرين ثاني ، إلى قرار تقديم المساعدات المالية المعلقة للسلطة الفلسطينية والتي تقترب من ربع مليار دولار ، إلى الأمتناع عن التصويت ضد قرار مجلس الأمن 2334 ، وقبوله القرار الأستراتيجي بالمشاركة مع روسيا والصين والمجموعة الأوروبية بالتوصل إلى الأتفاق النووي مع إيران ، وهو الأتفاق الذي سعى نتنياهو إلى إحباطه وتحريض الجمهوريين والكونغرس لعدم التصويت عليه ، ولكن نتنياهو جنى الفشل وذيول الهزيمة .
لقد إنتقل الرئيس كلينتون ومن قبله جيمي كارتر من مواقع التأييد للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، إلى مواقع التفهم لمعاناة الفلسطينيين جراء الأحتلال والتعاطف نحو تطلعاتهم لقيام دولتهم المستقلة ، وقد بقي أوباما متمسكاً بحل الدولتين ، وأرغم نتنياهو بعد خطاب جامعة القاهرة عام 2009 ، ليعلن نتنياهو بعد أسبوعين قبوله بحل الدولتين في خطابه أمام جامعة بار إيلان .
أوباما ، بعد نيله حريته أتوقع أن يكون الشخصية الأميركية الأكثر حضوراً على المستوى الدولي مقارنة مع أقرانه السابقين ، نظراً لقدراته الذاتية المميزة ، ولتوفر مساحة من حرية العمل أمامه خلال ولاية ترامب حتى نهايتها 2020 ، حيث الإنتخابات الرئاسية التي لا شك سينافس فيها مرشح ديمقراطي ضد ترامب ، مما يعط أوباما فرص عديدة للتعامل مع القضايا الدولية ، ومن ضمنها القضية الفلسطينية ، التي ستبقى فارضة نفسها نظراً لعدالتها ، ولفشل المشروع الإستعماري الإسرائيلي من معالجتها ، حيث يسعى نتنياهو ومن معه لإدارة الصراع ولن يتقدم خطوة جوهرية إيجابية لحله .
أوباما سيتحول إلى عنوان دولي مهم ، ومن المفيد على قادة الشعب الفلسطيني الأقتراب منه والتعامل معه وكسب وده لسببين : أولهما لأنه يحمل عدم الإرتياح للأداء الإسرائيلي ، وثانيهما لأنه يتفهم معاناة الفلسطينيين وكان مطلاً على تفاصيل ما يجري ، مما يؤهله لتأدية دور معنوي سياسي إيجابي لصالح الشعب الفلسطيني .
أوروبا التي صنعت المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي تتخذ خطوات صغيرة نوعية تراكمية ، بالإبتعاد عن سياسة تل أبيب وتتخذ خطوات مماثلة نقيضة بالإقتراب من الفلسطينيين ، وهذا التحول التدريجي البطيء لأوروبا ، سيكون له تأثيره على بعض الشخصيات الأميركية وفي طليعتها أوباما كما وقع مع كارتر وكلينتون بشكل نسبي إيجابي .

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف