- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2017-01-29
مع ترامب تغيرت قواعد اللعبة الفلسطينية الإسرائيلية. وإذا كانت الملفات قد حافظت على عناوينها، فإنها، في ظل القواعد الجديدة، أصبحت ذات محتوى جديد.
فالقدس لم تعد عاصمة لدولتين، بموجب «حل الدولتين» الذي تبنته الرباعية الدولية ونصت عليه خطة خارطة الطريق، بل أصبحت، في ظل القرار بنقل السفارة الأميركية إليها، عاصمة لدولة واحدة هي إسرائيل: في خطوة أميركية لفرض أمر واقع جديد، يضاف إلى الوقائع الأخرى التي تعمل سلطات الإحتلال على فرضها، إستباقاً لنتائج مفاوضات الحل الدائم.
والإستيطان لم يعد إجراء من جانب واحد، وعملاً يعرقل الحل الدائم ويعيق التسوية بين الجانبين، بل أصبح، مع مجيء ترامب، وفي ظل قرار أغلبية النواب الأميركيين، جمهوريين وديمقراطيين، عملاً إسرائيلياً سيادياً. وأصبح البناء الإستيطاني الإستعماري الإسرائيلي في الضفة، كالبناء الإسرائيلي في تل أبيب، والبناء الأميركي في واشنطن. وبالتالي لم يعد وقف الإستيطان شرطاً لازماً أو واحداً من متطلبات إستئناف المفاوضات وتوفير الأجواء اللازمة لنجاحها.
والمفاوضات الثنائية المباشرة لم تعد بلا شروط، بل هي مرتبطة بشرطين إسرائيليين توافق عليهما واشنطن ترامب، الأول هو الإعتراف الفلسطيني المسبق بيهودية الدولة الإسرائيلية بكل ما يعنيه هذا الإعتراف من تسليم بتداعياته السياسية والقانونية والجغرافية والديمغرافية. أما الثاني فهو القبول بالهيمنة الإسرائيلية الأمنية على كامل الأراضي الممتدة من نهر الأردن وحتى البحر المتوسط، بكل ما يعنيه هذا أيضاً من تداعيات على مجمل المشروع الوطني الفلسطيني وعلى مستقبل الوجود الفلسطيني في الضفة والقدس، وداخل الـ 48، ومع العلاقة مع الجوار الأردني.
والدولة الفلسطينية لم تعد هي الدولة التي نصت عليها خارطة الطريق، أي التي يحقق فيها الشعب الفلسطيني أمانيه الوطنية، والدولة القابلة للحياة، بل هي «الدولة الناقصة» التي يفترض أن تلبي قبل كل شيء المصالح الأمنية الإسرائيلية، بكل ما تحمله عبارة «الأمنية» من معاني عسكرية وإقتصادية وديمقراطية وثقافية وتربوية وسواها. بإعتبار أن الأمن، في إسرائيل، عبارة مطاطة، قد ندري أين تبدأ، لكننا لا ندري أين تنتهي.
وقيام الدولة الفلسطينية لم يعد قراراً سيادياً فلسطينياً، ولا من صلاحيات هيئة الأمم المتحدة، التي بقرار منها قامت دولة إسرائيلية (عبر تنفيذ شق واحد من القرار 181بكل التجاوزات المعروفة) بل بات قيام الدولة الفلسطينية رهناً بوصول الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى «حل متوافق عليه»، وبالتالي فإن لإسرائيل، على الدوام حق النقض (الفيتو) ضد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره كما نصت على ذلك قرارات الشرعية الدولية.
ولعل اللاجئين هي القضية الوحيدة التي لم يدخل عليها، أي تعديل لأنها، مستبعدة مسبقاً من المفاوضات، وعلى قاعدة رفض إعتراف إسرائيل بمسؤوليتها التاريخية أو السياسية أو القانونية أو الأخلاقية عن هذه القضية، وكونها قضية عربية يتم حلها في الإطار العربي.
أخطر ما في هذا التغيير في قواعد اللعبة، أن الجانب الفلسطيني مازال يدير شؤونه بالمنطق السياسي والمفاهيم والمعايير القديمة ذاتها، ومازال يبحث لنفسه عن ذرائع «تطمئنه» أن ترامب لن يقدم على تنفيذ وعوده الخاصة بالقضية الفلسطينية، وبشكل خاص نقل سفارة بلاده إلى القدس الشرقية المحتلة. ومازال يتجاهل المعاني الخطيرة لموقف مجلس النواب الأميركي بشقين الجمهوري والديمقراطي في رفض وإدانة قرار مجلس الأمن الدولي 2334، ويغض الطرف عن تصريحات نتنياهو الذاهبة بعيداً في التطرف وعن قرارات حكومته بتشييد آلاف الشقق السكنية الإستيطانية والتمهيد لضم مستوطنات «غلاف القدس» E1)) التي ستقود إلى إستكمال ضم القدس ومحيطها وتشطير الضفة إلى قسمين في إطار تمزيق الضفة بالمستوطنات. بينما المعركة محتدمة بين حكومة رام الله في الضفة وسلطة حماس في القطاع عن الجهة المسؤولة عن أزمة الكهرباء، وعن الجهة التي إستولت على الأموال القطرية لحل هذه الأزمة.