سافرتُ بعد الظهر، أول من أمس، الى بيتي في بيت أيل، على مسافة عشر دقائق سفر من عمونه. وفي الطريق كان الجنود وأفراد الشرطة الذين سيشاركون في اغلاق المحاور تمهيداً للإخلاء والهدم. مع إطلالة أول شعاع نور سيغزو الجنود وافراد الشرطة البلدة وسيطردون السكان من بيوتهم. وفي غضون بضع ساعات من الهدم الزائد ستفقد عشرات العائلات ومئات الاطفال البيوت التي سكنوا فيها نحو عقدين، وذلك بسبب تداخل ميزتين سيئتين: الشرانية والإهمال. نبدأ بالإهمال. إن هدم عمونه هو أولاً وقبل كل شيء نتيجة اهمال كل حكومات اسرائيل منذ بدء الاستيطان في «يهودا» و»السامرة». فكل الحكومات، حتى حكومات اليسار، فهمت بان هذه بلاد آبائنا وأجدادنا وأنه في اي اتفاق مستقبلي لن ننسحب من أجزاء مهمة منها. ويعبر عن هذا الفهم جيداً المشروع الاستيطاني الفاخر الذي قام في «يهودا» و»السامرة»، مع أكثر من 400 ألف إسرائيلي يعيشون هناك. لقد بقي المستوطنون مواطنين من الدرجة الثانية، مواطنين أجانب. وهكذا نشأ الوضع القانوني العبثي الذي يكون فيه حق الملكية ملفقاً، بخلاف القوانين المتبعة في «يهودا» و»السامرة»، القانون العثماني والقانون الاردني. وتتحمل المسؤولية عن هذا الاهمال كل الحكومات – بما فيها ثلاث حكومات نتنياهو الاخيرة – وقانون التسوية الذي سيقر قريبا هو مجرد الاشارة الاولى في الطريق الى الاصلاح. اما الشرانية فهي شرانية منظمات اليسار المتطرف. فمن يؤمن بانها تستهدف صالح من تزعم انهم اصحاب الارض الذين سلبوا، إما ساذج او غبي. فلو كانت معنية بصالح اصحاب الارض، لفحصت كيف يمكن منحهم التعويض الافضل عن الارض التي يزعم انهم فقدوها، بالمال أو بالارض البديلة. خذوا مثلا الفلسطينيين الذين يزعم انهم كانوا أصحاب الارض التي بني عليها حي الالبانة في بيت ايل: خمسة مبان هدمـت، عشرات العائلات اقتلعت – ولكن «اصحاب الارض» لن يعودوا إلى المكان ابدا. غير أن منظمات اليسار المتطرف لا يهمهم الفلسطينيون «المساكين». كل ما يريدونه هو أن يروا بيوت المستوطنين تهدم. اذا حصل هذا باتفاق مع الفلسطينيين فهو خير، واذا حصل بوسائل اخرى فهو خير ايضا. وهذا ليس له إلا اسم واحد: الشرانية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف