- تصنيف المقال : اللاجئيين وحق العودة
- تاريخ المقال : 2017-02-07
مراجعة رضوان عبد الله *
صدرت حديثًا عن المركز القومى للترجمة النسخة العربية من كتاب (مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين) بجزئيه الأول والثانى، وذلك فى أول تعاون مع المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت من خلال السلسلة الثقافية الشهرية (عالم المعرفة)، والكتاب من تأليف بينى موريس وترجمة عماد عواد.
ويُعد هذا الكتاب مرجعًا على درجة عالية من الأهمية ليس فقط للقارئ العادى، ولكن للساسة أيضا، انطلاقا من تناوله وثائق يهودية رفع غطاء السرية عنها، وسعيه إلى تبديد الغموض الذى أحاط بهذه الإشكالية سواء من حيث نشأتها أو الخلاف حول أعداد اللاجئين الفلسطينيين أومحاولات استثمار المقترحات الأولية لتسوية قضيتهم لتحقيق مكاسب سياسية ولعل فى هذا ما يساعد الطرف العربى فى دعم موقفه التفاوضى بالحجج القوية اليهودية المصدر.
وأثار كتاب (مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين) ضجة كبيرة وقت صدوره، لما تضمنه من حقائق صادمة، حيث يتناول إحدى القضايا المحورية فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى فى دائرته الضيقة، والعربى الإسرائيلى فى نطاقه الأوسع والتى وقفت عقبه كأداء أمام المساعى الرامية للوصول إلى تسويته بالطرق السلمية، فعلى الرغم من أن قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 قد تضمن النص على إيجاد تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين، وقرار الأمم المتحدة رقم 191 أكد على حقهم فى العودة أو التعويض، ولم تتمكن الأطراف المعنية خاصة الفلسطينية والإسرائيلية خلال مفاوضاتها المتعاقبة، من التوصل إلى صيغة متفق عليها لتسوية هذا الملف.
ومترجم الكتاب، الذى يتضمن بجزئيه عشرة فصول، هو الدكتور عماد عواد دبلوماسى سابق بوزارة الخارجية المصرية، مستشار حقوق الإنسان لرئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية بلندن، حاصل على الدكتوراه من جامعة باريس وله العديد من المقالات فى الصحف والدوريات العربية والأجنبية.و صدرت النسخة الأصلية بتاريخ 6 حزيران، 2007 و الاسم الاصلي للكتاب باللغة الانكليزية هو (The Birth of the Palestinian Problem Revisited )
و قد أثار هذا الكتاب،وقت صدورة ، ضجة كبيرة داخل الكيان الإسرائيليلي المحتل، لما تضمنه من حقائق صدمت الكثيرين، في إطار كتابات ما باتوا يعرفون بـ" المؤرخين الجدد" الذين قدموا روايات تختلف -بشكل جوهري- عما دأب المؤلفون والقادة الصهاينة و اليهود عموما على ترديدة.
تتضمن هذه النسخة المنقحة للكتاب العديد من العناصر ، أبرزها وأهمها تتبع جذور فكرة التهجير القسري للفلسطنين ، بين مدنهم وقراهم، وفهم الإيدلوجية الصهيونية ؛ وما توصلت إليه من نتيجة مفادها أنه على الرغم من عدم وجود خطة ممنهجة لتحقيق هذا الهدف فإن الفكرة كانت حاضرة في أذهان القيادتين السياسية والعسكرية على السواء, ويؤكد ذلك بقاء المسؤولين من التشكيلات اليهودية العسكرية المتعددة الذين أقدموا على ارتكاب فظائع بحق الفلسطينيين بعيدا عن طائلة العقاب الرادع, مما عكس درجة من درجات الموافقة الضمنية على ما اقتُرف بهدف الوصول إلى تحقيق هدف "الدولة اليهودية" أو الدولة الإسرائيلية التي تتضمن أقل عدد من العرب الفلسطينيين. وفضلا عن ذلك يكشف الكتاب -من خلال الوثائق- عن كيفية تعاطي كل من القيادتين, السياسية والعسكرية, اليهوديتين مع ظاهرة النزوح الجماعي الفلسطيني, سواء من خلال تشجيعها أو السعي إلى التعجيل بحدوثها, باستخدام وسائل الضغط النفسي على المناطق المقرر اجتياحها.
على الرغم من صفة التاريخ التي تغلب عليه، يعتبر هذا الكتاب مرجعا على درجة عالية من الأهمية، من حيث تناوله هذا الملف الشائك؛ انطلاقا من وثائق يهودية رفع غطاء السرية عنها ،وسعيه إلى تبديد الغموض الذي أحاط به ،سواء فيما يتعلق بنشأة المشكلة،أو الخلاف حول أعداد اللاجئين الفلسطينيين, أو محاولات استثمار المقترحات الأولية لتسوية قضيتهم لتحقيق مكاسب سياسية، ولعل في هذا ما يساعد الطرف العربي على دعم موقفه التفاوضي بالحجج القوية اليهودية المصدر, فضلا عن تجنب الوقوع في شرك تسويات قد تهدر حقوقه, وتقتصر على خدمة أهداف الطرف الآخر في النزاع
يتحدث الكتاب عن ازمة النزوح واللجوء الفلسطيني منذ البداية و بمراحله المتعددة اذ يتألف من جزأين في عشرة فصول حيث البداية مع المقدمة تاريخية متحدثاً عن فلسفة الترانسفير (التهجير) التي تنبأ بها منظّر الصهيونية الاول ثيودور هرتزل عندما كتب في مذكراته عام 1895 ما يلي: "يلزم علينا أن نجردهم من الأرض (الفلسطينيين) بلطف بحيث أن نشجع الفقراء على عبور الحدود من خلال تأمين العمل لهم في بلاد العبور في الوقت الذي نمنعهم من الحصول على العمل في بلادنا (أي إسرائيل)..." ثم يتابع هرتزل قائلاً: "أن كلا من عملية التجريد من المُلكية والتخلص من الفقراء يجب أن يتم بشكل منفصل وبحذر شديد."
ثم يتحدث الكتاب عن مراحل ما بعد الحرب العالمية الثانية من وعد بلفور إلى وثيقة الانتداب البريطاني عام 1923، والتي تحدثت عن العلاقة التاريخية للشعب اليهودي بـ"أرض إسرائيل" إلى أن تحدث عن دور مفتي المقدس وعائلة الحسيني وخلافاتها مع آل النشاشيبي وموقفهم من المنظمات الصهيونية في فلسطين، ومن ثم عن ثورة القسام والعمليات الواسعة لشراء الأراضي الفلسطينية من قبل أثريا اليهود.
ثم يتابع الكتاب الكلام عن مراحل التهجير القسري والجماعي في المدن الفلسطينية (حيفا،بيسان، والقدس) وعمليات التطور في مفهوم الترانسفير والإرهاب في الفكر الصهيوني واللجوء إلى استعمال السيارات المفخخة (تماماً كما اليوم وتوجيه هذه السيارات إلى الأماكن المزدحمة بالسكان المدنيين بقصد إيقاع اكبر عدد ممكن الضحايا بين المدنيين لترهيبهم وتهجيرهم ).
أما عن مكونات فلسفة التهجير (الترانسفير) في الفكر الصهيوني فيتحدث الكاتب عن الأمور التالية:
- منع العرب من العودة إلى ديارهم في حال تهجيرهم.
- تقديم المساعدات لهم حيث هم مهجرون (إغاثة).
- تدمير أكبر عدد ممكن من القرى في العمليات الحربية.
- منع المزارعين من القيام بجني محاصيلهم الزراعية، الزيتون، الليمون، الحبوب...
- إصدار القوانين التي تحرمهم من البناء بحجة الوضع الأمني والعسكري، والبناء غير القانوني.
وفي الفصل الخامس يتحدث الكتاب عن قرار التقسيم والعودة الذي اتخذ في الأمم المتحدة في ديسمبر 1948، في هذه المرحلة نشط اليهود والمنظمات التابعة لهم، وبمساعدة دولية وأميركية على تحريض السكان اليهود في الداخل الفلسطيني على رفض فكرة العودة والتقسيم نهائياً، مع البدء بعمليات التهويد في ظل صمت عربي وتواطوء دولي، وصمت عربي رسمي (تماماً كما يحدث اليوم) رغم وجود الجامعة العربية آنذاك التي تأسست عام 1945.
اما في الفصل السادس فيؤكد المؤلف على انه (خلال الحرب وفي الفترة التي تلتها مباشرة افرغ ما يقرب من اربعمائى قرية و مدينة من سكانها .و بحلول منتصف العام 1949 اضحت اغلبية تلك المواقع في حالة دمار كامل او جزئي ،وغير صالحة للسكنى....)
وفي الفصل السابع من الكتاب اي في (الموجة الثالثة ) من التهجير حسب ما ورد في الكتاب بدأت عملية التهجير الكبير والتي يصفها أحد ضباط المخابرات الإسرائيلي بقوله: "كانت النساء مثقلات بالصرر (جمع صره) والحقائب فوق رؤوسهن والأمهات يجرون أطفالاً لهن ورائهن ومن وقت لآخر كانت تبرز في أعين هؤلاء الصغار نظرات حادة وكأنها تقول: "نحن لن نستسلم وسنعود لمحاربتكم..."،و على سبيل المثال ذكر دوف يرميا ،قائد كتيبة في الفرقة 21 ،عن الهجوم على كويكات ليلة ال28 من آذار قائلا :"لا اعلم ما اذا كانت قذائف المدفعية على القرية قد اوقعت خسائر لكنها احدثت اثرا نفسيا و هرب سكان القرية غير المقاتلين قبل ان نبدأ الهجوم ..."،و في هجوم أخر على نفس القرية يورد الكاتب ما جرى ليلة التاسع من تموز حيث "طالبت قوات الدفاع الاسرائيلية القرية بالاستسلام ،الامرالذي رفضه المختار خوفا من اتهامه بالخيانة من قبل جيش الانقاذ على الارجح ،و في تلك الليلة اطلق لواء كارميلي العنان لمدفعيته "، و يكمل الكاتب انه "وفقا لما ذكره احد سكان القرية :استيقضنا على صوت ضجيج عال لم يسبق ان سمعناه من قبل و انفجار قنابل ...كانت القرية باكملها في حالة ذعر ...فالنساء تولول ،والاطفال يصرخون،...و بدا اغلب القرويين في الفرار بملابس النوم .اما زوجة قاسم احمد سعيد فمن فرط ذعرها فرت حاملة بين ذراعيها وسادة بدلا من طفلها....".
أما في الفصل الثامن والذي جاء يصف الموجة الرابعة اي مرحلة ما بعد الهدنة بين الجيوش العربية والمنظمات الصهيونية والتي انتهت بحرب الفالوجه التي كانت تحت السيطرة المصرية ،وهزيمة جيش الإنقاذ بقيادة القاوقجي والتي أظهرت مدى تآمر الأنظمة العربية وخيانتهم عن طريق الأسلحة الفاسدة و"ماكو أوامر" وغيرها.حيث دفع "تقرير برنادوت في السادس عشرمن شهر سبتمبر المتضمن اقتراحا منح النقب الى العرب مقابل السيادة اليهودية على الجليل الغربي ،الى تركيز اهتمام القيادة السياسية و العسكرية على الجنوب حيث توجد منطقة يهودية تحصل على امدادات محدودة،محاطة بالعرب و تضم اقل من 24 مستوطنة ..."و يضيف الكاتب "ان الهروب الجماعي من المدينة ـ بئر السبع ـ قد بدأ بالفعل في 19 اكتوبر ،اما سيرا على الاقدام و اما بالحافلات ،اساسا باتجاه الخليل ،وذلك في اعقاب عمليات قصف جوي متكرر ليلتي 18 و 19 اكتوبر ،وعاد القصف في الليلة التالية ،مما عجل بمزيد من الهرب ...."
وينتقل المؤلف في الفصل التاسع إلى عمليات تنظيف الحدود الفلسطينية من التجمعات العربية بدءاً من النقب في الجنوب إلى الشرق والشمال حيث بلغ عدد الفلسطينيين المهجرين مئات الآلاف.
اما في خاتمة الكتاب فيؤكد الكاتب انه قد "جرى النزوح الجماعي على اربع مراحل او اربع مراحل و نصف المرحلة ارتبطت بشكل وثيق بشكل الحرب ذاتها .... بدأت المرحلة الاولى" من ديسمبر 1947 حتى مارس 1948 مع رحيل لاالعديد من الطبقتين العليا و المتوسطة ،خاصة من مدينتي حيا ويافا اللتين كان من المفترض ان تكون تحت سيطرة الدولة اليهودية في طور التكوين ....".مؤكدا انه " اذا كان الهجوم اليهودي قد اثار بشكل مباشر او غير مباشر النزوح الجماعي حتى شهر يوليو 1948 ،فان هناك شريحة صغيرة و لكنها مهمة من النازحين اقدموا على ذلك بناء على اوامر طرد مباشرة او آليات الحرب النفسية المصصمة لترهيب السكان و دفعهم الى الفرار......و قد عززت الفظائع الفعلية التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية اساسا في دير ياسين من تلك المخاوف كثيرا خاصة مع تضخيمها بشكل كبير و مستمر من قبل الاعلام العربي على مدار الاسابيع التي تلتها...."
ويحتوي الكتاب على عدة خرائط للمستوطنات وللتقسيم إلى جانب المراجع التي زادت عن 2600 وثيقة ومرجع مما يجعل الكتاب وثيقة تاريخية هامة. لقد أثار الكتاب بعد صدوره في إسرائيل ضجة لما تضمنه من معلومات دحضت معظم النظريات الرسمية الصهيونية حول فلسطين.فالسياسة الرسمية في إسرائيل والتي يقودها سياسيون متعصبون، وحاخامات متطرفون، والتي تتلخص كما يقولون بأنهم "شعب الله المختار" وأن ثروات الأرض هي ملك لهم، هذه النظرية التي أثبتت خلال مئات السنين أنها خاطئة، وأنها السبب الرئيسي من ورائها إشعال مئات الحروب والاعتداءات في العالم،كما نا الكتاب يتضمن العراقيل التي وضعتها العصابات الصهيونية على عودة اللاجئين الى قراهم و مدنهم بما فيها التدمير الكامل لتلك القرى و المدن اثناء الحرب او بعدها بفترات قريبة او بعيدة ، من قبل العصابات الصهيونية ،اضافة الى وثائق تؤكد مراسلات بيّنت اوامر لتدمير ممنهج و منظم للمنازل و المرافق الحيوية في المدن و القرى و البلدات الرئيسية و بدون اي تردد .
*كاتب و باحث فلسطيني مقيم في لبنان