- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2017-02-07
يؤكد المشهد الحالي أن القضية الفلسطينية، تتعرض على يد حكومة نتنياهو، اليمينية المتطرفة، الى حرب متعددة المستويات، تأخذ أشكالاً مختلفة، تلتقي كلها عند التسريع في مصادرة المساحة الأوسع من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحّصين عمليات المصادرة بالقوانين المفبركة في الحكومة و في الكنيست، بالتضاد تماماً مع القوانين ومع الأعراف الدولية، وفي تعقيد شروط الوصول الى تسوية، بهدف فرض التسوية الإسرائيلية، المدعومة أميركياً، تقوم على إجهاض الحقوق الوطنية والقومية الفلسطينية، في الإستقلال والعودة وتقرير المصير.
فبعد صدور قرارات، خلال أقل من أسبوع، بتشييد آلاف الشقق الإستيطانية، في القدس المحتلة وفي أنحاء الضفة الفلسطينية (566+2500+150+3000) رصدت حكومة نتنياهو مبلغ 5 مليارات شيكل (أي أكثر من مليار وربع المليار من الدولارات الأميركية) لتمزيق الضفة الفلسطينية إلى أشلاء، عبر شق المزيد من الطرق الإلتفافية الإستيطانية، والأنفاق، والجسور، ومد خطوط سكك الحديد، لخلق التواصل المديني بين الكتل الإستيطانية، والمستوطنات المسماة «معزولة»، وبين القدس وتل أبيب، وبحيث تتحول المستوطنات، وفقاً لهذا المخطط، الى مدن واسعة، تحيط بها أراضي مؤهلة للبناء عليها، وفي الوقت نفسه محاصرة المدن والقرى الفلسطينية، وتهميشها، وتحويلها الى «أطراف» ريفية، مقارنة بالمراكز الإستيطانية الإستعمارية المؤهلة لكي تتطور مدينياً، حضرياً وديمغرافياً. ولا تخفي الأوساط الصحفية الإسرائيلية تقديرها أن وظيفة هذا المخطط، هي العمل على ضم الضفة الفلسطينية، كإجراء واقعي وعملي لإسرائيل، وإستكمال فصل القدس المحتلة عن الضفة، وتمزيق الضفة الى مربعات ومثلثات ومستطيلات جغرافية وسكانية، وتحويل القدس «وغلافها» الإستيطاني الى سد فاصل بين قسمي الضفة شمالاً وجنوباً.
في الوقت نفسه يناقش الكنيست بدعم من الليكود و«البيت اليهودي» مشروع قانون يجيز للحكومة مصادرة الأراضي المملوكة للفلسطينيين وحرمانهم من حقهم باللجوء الى القضاء أو الإعتراض، وتقول المصادر الصحفية الإسرائيلية نقلاً على لسان «المعسكر الصهيوني» برئاسة هرتسوغ إن الهدف الحقيقي لهذا المشروع هو تسهيل ضم المستوطنات، حتى البؤر الصغيرة منها، لإسرائيل، في إطار مشروع الضم الكبير الذي تعمل له حكومة نتنياهو.
بدوره خطا رئيس الحكومة خطوة كبرى الى الأمام في التصعيد السياسي، حين «طور» موقفه التفاوضي، بحيث إشترط لإستئناف المفاوضات (وليس للوصول الى إتفاق) الإعتراف الفلسطيني المسبق بإسرائيل «وطناً قومياً لليهود»، بكل ما يعنيه هذا الإعتراف من تداعيات جغرافية (ضم) وديمغرافية (نقل وطرد الفلسطينيين داخل الكيان الى تخوم مناطق السلطة الفلسطينية) وسياسية كبرى ( المصادقة النهائية على شطب حق اللاجئين بالعودة الى ديارهم وممتلكاتهم). أما الشرط الثاني لإستئناف المفاوضات فهو الإعتراف بأن الحدود الإسرائيلية الأمنية، كما تفهمها إسرائيل، هي الممتدة ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط، وبحيث تكون هذه المنطقة (أي كامل فلسطين الإنتدابية) تحت السلطة الأمنية الإسرائيلية بلا شروط. وكما تعترف الدوائر المعنية، فهذا عنوان آخر للموضوع نفسه: الضم الكامل للأراضي الفلسطينية لإسرائيل، ضمن تسوية محددة، تقوم على مبدأ «الدولة الناقصة» (أي لادولة) التي تحدث عنها نتنياهو، وهو الإسم الآخر للإدارة الذاتية المتمثلة في السلطة الفلسطينية الحالية.
* * *
إذن نحن أمام مشروع سياسي متكامل، تعمل حكومة نتنياهو على كشف ملامحه، قطعة قطعة، والعمل في الوقت نفسه على تطبيقه فصلاً فصلاً. لسنا أمام مشروع للدعاية، بل أمام مشروع تنفيذي من الطراز الأول، له آلياته التطبيقية اليومية، وله مسوغاته «القانونية»، وفقاً للتفاهمات والمعايير الصهيونية وله أساسه المنفرز عميقاً في إتفاق أوسلو، الذي نقض ما جاء في قرارات الأمم المتحدة حول الأراضي الفلسطينية المحتلة، لصالح الإتفاق على أن «الأرض متنازع عليها» ولا يتم الإتفاق بشأنها إلا بالتفاوض. وفي الوقت الذي لا يكف الرئيس عباس عن التأكيد أن سبيله الوحيد الى الحل هو المفاوضات، لا تكف حكومة إسرائيل عن التأكيد، بالممارسة العملية، أن سبيلها الى الحل هو فرض وقائع ميدانية تتمثل في قضم الأراضي، وتوسيع المستوطنات، والقضاء على الريف الفلسطينيي، ومحاصرة المدن الفلسطينية، وتعميق تبعيتها للإقتصاد الإسرائيلي، وربط مصيرها بقرارات الإدارة المدنية والحاكم العسكري للإحتلال.
مقابل هذه السياسة الإسرائيلية، العملية، لم تجد وزارة خارجية السلطة وسيلة للرد سوى في إصدار بيان، زعمت فيه أن السلطة الفلسطينية لن تسمح لإجراءات نتنياهو أن تستفزها (هكذا) وأنها ستبقى متمسكة بقرارات الشرعية الدولية، وبخطاب رئيس السلطة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. قرارات الشرعية الدولية تحتاج الى من يحولها الى سلاح عملي، عبر تثميرها في هيئة الأمم المتحدة والهيئات الأخرى ذات الصلة والإختصاص. أما الإكتفاء بالإشارة إليها، فهو شكل من أشكال السذاجة، أو لنقل تعبير عن شلل سياسي مصابة به مؤسسات السلطة ورئاستها. والتجربة مع القرار 2334 فاشلة. فبعد صدوره والترحيب به، رد عليه نتنياهو بحملة إستيطان مسعورة. مجلس الأمن إكتفى بالإحاطة التي قدمها له الأمين العام حول الموضوع، لكنه لم يتخذ خطوة عملية واحدة ضد تحديات نتنياهو للإرادة الدولية. ويبدو أن السلطة الفلسطينية تتبع إستراتيجية عدم الصدام مع الإدارة الأميركية الجديدة، بشأن الإستيطان، وبشأن تدويل القضية والحقوق، واللجوء الى مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية، مقابل وعد «بتأجيل» البت بمصير قرار نقل السفارة الأميركية الى القدس المحتلة. لذا يلاحظ تكرار الحديث عن موضوع السفارة في إعلام السلطة، لكن يلاحظ في الوقت نفسه تهميش إعلام السلطة لقضايا الإستيطان وباقي المشاريع والمخططات الإسرائيلية المعنية بالضم.
أما الحديث عن الإلتزام بخطاب رئيس السلطة في الأمم المتحدة فهو مجرد مزحة سمجة ليس إلا. الخطاب يتحدث عن «التبادلية» في الإلتزام بالإتفاقات الموقعة. ورغم أن نتنياهو طوى ملف التبادلية هذا، ويمارس سياسة إنتهاك الإتفاقات (وإعتراف السلطة نفسها) إلا أننا نلاحظ أن السلطة تؤكد على الدوام على تمسكها بالإتفاقات وإلتزامها، وصولاً الى إعتبار «التنسيق الأمني أمراً مقدساً»، وفتح الباب أمام المزيد من التعاون والتبعية للإقتصاد الإسرائيلي؛ خلافاً لدعوات المقاطعة الفلسطينية والعربية والدولية (B.D.S).
* * *
قواعد اللعبة بيننا وبين نتنياهو تغيرت تماماً. فالإدارة الأميركية تغيرت وتغيرت معها معايير الحل في المنطقة، وتغيرت معها نظرتها الى الملفات المتعلقة بالحل وكيفية معالجتها. تغيرت لصالح الجانب الإسرائيلي بشكل جذري.
والسياسات الإسرائيلية باتت جلية جداً، ولم يعد نتنياهو يخفي نواياه، بل بدأ يترجم نواياه الى خطط ومشاريع، وبدأ يرصد لهذه الخطط والمشاريع موازناتها المالية الضخمة، المدعومة بالمساعدات المالية والإقتصادية والعسكرية الأميركية بمليارات الدولارات. وحدها السياسة الفلسطينية الرسمية ما زالت على جمودها.
اللجنة المركزية لفتح (التي إعتاد رئيس السلطة أن يطبخ فيها خطواته قبل نقلها الى اللجنة التنفيذية) مشغولة حتى الأذنين بالبحث عن مرشحين لضمهم الى عضويتها، ومشغولة بالإتفاق على أمين سر للجنة يكون بمثابة «نائب عباس» أو «الرجل الثاني» في الحركة.
والمجلس الثوري للحركة مشغول هو الآخر بتسمية باقي الأعضاء، كما ينص على ذلك النظام الداخلي للحركة.
أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيسها يعيشون حياة عادية، وكأن شيئاً لم يقع. ما زالت إجتماعاتها متباعدة. وما زالت مداولاتها تأخذ طابع المشاورات دون أي قرار يشفع لها أمام شعبها.
أما المجلس المركزي فإجتماعاته معلقة منذ آذار (مارس) 2015، رغم أن القرار يقضي بعقد دورة كل 4 أشهر.
الإرادة لدى القيادة الرسمية مشلولة. تعبر عن إرتباك شديد، في ظل علاقات عربية «غير مريحة» وإدارة أميركية تحمل العصا وحكومة إسرائيلية تزداد تعنتاً.
الحل معروف، لكن الإدارة الميتة تعطل تنفيذه
من ينتظر من الإرادة الميتة صوتاً أو صرخة ما، فلسوف ينتظر طويلاً.
الموتى لا يتكلمون.