- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2017-02-21
الديالكتك القائم على ان الشعب هو البدايه والنهايه بأية عمليه سياسيه، مهما كانت صغيره او كبيره، مصيرية او حتمية، هو قاعدة اثبتت صحتها في مجتمعات مختلفة وعلى مدار عشرات السنين وفي بقاع واسعه في المعمورة .. وايضاً نكتشف انه ان اختل هذا الديالكتك، لسبب ما، تكون النتيجة الحتميه بان تنتقل هذه المجتمعات من الديمقراطيه وسلطة الشعب الى تسلط فئة صغيره معينه على الأكثريه، او حتى ان النظام السياسي ينتقل ليصبح نظام دكتاتوري قمعي احادي الرأس يفرض على الشعب رؤيته السياسيه وطريقة تنفيذها بالقوه والديماغوغيه.
هذا الديالكتك نجد تجسيده واضحاً في المجتمعات الديمقراطيه التي تحتكم حكوماتها وأحزابها السياسيه وقيادات هذه الاحزاب بفترات ثابته لقرار ورأي الشعب.
في هذه المجتمعات الديمقراطيه نرى تجانس ببن أضلاع المثلث، قيادة، سياسه وشعب.. وان اختل هذا التوازن لسبب ما، نرى ان الجميع يتحرك ويعمل جاهداً لإعادة التوازن، اخذين بعين الاعتبار ان في هذا المثلث ضلع ثابت لا يمكن تبديله او تغييره او استبداله او تقصيره... وهو الشعب.
بهذا تُخْتزل اذا عملية ومسيرة اعادة التوازن للمثلث - شعب، قياده، سياسة- بتغيرات يجب القيام بها في الضلعين المتبقيين.. القيادة والسياسة.. بكلمات اخرى تبقى الاستراتيجية الوحيدة لإعادة الانسجام اما بتغيير القيادة كاملةً او بتغير جزء منها، او بتغير البرنامج السياسي والخطاب السياسي او جزء منهما.. وبما ان الخطاب السياسي، في كل المجتمعات، مرتبط بالقيادة وأشخاصها، فالتغيير الحقيقي الجاد لإعادة الانسجام يجب ان يأتي دائماً بازدواجية، اي بتغيير الخطاب وبتغير الأشخاص المسؤولين عن نقل الخطاب للشعب ومؤسساته.
التلكؤ في اعادة الانسجام لأضلاع المثلث يؤدي دون أدنى شك، بغض النظر عن اي مجتمع نتكلم، الى فتور العلاقه بين أضلاع المثلث ولاحقاً الى ابتعاد قسم كبير من الضلع الثابت - الشعب- عن الضلعين الاخريين وانكفائه على المشاركه والعمل، وهذا ما يسمى في علم الاجتماع السياسي ؛ بالانضواء السياسي والعطائي للجماهير..
هذه الحالة: ابتعاد القيادة عن الجماهير وعدم فهم الجماهير للخطاب السياسي والبرنامج السياسي للقياده، تترجمها الجماهير، كما ذكرت أعلاه، بداية بالانكفاء والتراجع عن العمل، يتبعه جو من اللامبالاه يغيم على الجماهير ومؤسساتها وينتهي بالفرقة وأحياناً الى قطع شعرة معاوية التي تمسك اطراف المثلث... بكلمات اخرى في هذه الحالة يبدأ الانهيار..
عندما تصل الحالة بمجتمع او دولة (او حزب او عائلة)، الى وضع لا يحمل به الشعب الخطاب السياسي للقيادة ولا يدعمه، والقيادة لا تفهم كيفية مخاطبة الشعب ولا تسمع ذبذبات احساسه السياسي واحتياجاته الوطنيه والفردية، هنا نكون قد أصبحنا امام احتمالين:
أولاً ان الباب يفتح على مصراعيه للقوى الراديكالية خصوصاً تلك التي تحمل الخطاب الشعبوي المدغدغ لشعور الشعب
وثانية هذه الحالة تفتح الفرصه امام منظري الاستسلام والرضوخ الى " ما كتب لنا" والرضاء بالفتات قبل خسارة كل شيء..
حالة التخبط وعدم الاستقرار وانعدام الانسجام بين أضلاع المثلث ممكن أحياناً ان ينفجر بثورة جماهيرية ضد القياده لا يعرف أحداً ان يحدد نتائجها مسبقاً.
نظريتي هذه، لا تلائم فقط سيرورة المجتمعات والدول بل ايضاً تسري على الاحزاب مهما كانت كبيره او صغيره.. وهي تسري ايضاً على مؤسسات المجتمع المدني، ويمكن ايضاً تطبيقها على العلاقات الاجتماعية في العائلة الصغيره او الحمولة الاكبر...
ونقلة بنا من التنظير الى الواقع ترينا ان ما يحصل في فلسطين المحتله هو ما رسمناه نظرياً أعلاه: قبل الانجرار الى عملية اوسلو كان هنالك انسجام، رغم بعض الهزات بين الحين والآخر، بين الشعب الفلسطيني بمكوناته المختلفة وبين قيادته وبين طرحها السياسي النضالي العام. هذا الانسجام الذي كان حصيلة نضال دؤوب تكلل ببناء منظمة التحرير الفلسطينيه الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وتبني برنامجها السياسي الواضح والنجاح بفرض معادلة جديده للصراع مع العدو المغتصب بقواعد مختلفه.
بالدخول بمسار اوسلو اهتز الانسجام في أضلاع المثلث الفلسطيني لكنه لم ينهار، رغم محاولات داخلية وخارجية الى تدمير هذا المثلث وانجازاته. لكن العمل على اعادة الانسجام، من قبل كل الفصائل الفلسطينيه، لم يكن جاد ولم يكن براغماتي بل كانت محاولات قاعدتها ايدلوجية ضيقه واحتكمت كل الخطوات التي اتخذت لإعادة الانسجام لحساب الربح والخسارة الفصائلية والشخصية الضيقة والت الأوضاع بنا الى ما نقف نحن الان أمامه ...شعب محبط، وقيادات عاجزة، وبرنامج سياسي هلامي بعيد كل البعد عن الواقع الموضوعي الذاتي والاقليمي والعالمي وبرنامج نضالي قوته الوحيدة الصراخ والكلام الإنشائي.
حالة عدم الانسجام الفلسطينيه هذه لا تصيب فقط السلطة الفلسطينيه وحزب السلطة.. بل أصبحت الحالة السائدة في كل الاحزاب والحركات الوطنية الفلسطينيه.
نحن نراقب ومنذ سنوات توجه الاحزاب والحركات الفلسطينية، بكل الوانها، الى ما اسميها "حزب وحيد القرن" اي الاحزاب تختزل قيادتها السياسيه بشخصية معينه هي القاطرة التي تجر الجميع وهي الحافره التي تشق الطرق وتبني العلاقات وترسم الاتجاهات وتحدد التحركات وهي ايضاً الملك، الذي على الحاشية ان تركع أمامه وتعلن بين الحين والاخر ولاءها الكامل المتكامل له دون منازع ودون شريك! وهي ايضاً الوجه الإعلامي والدعائي للحزب والحركه.. بها نزين مكاتبنا وصحفنا واعلاناتنا وغرف نومنا... وهي باختصار الحاكم بأمر الله ...
اذا عدم الانسجام بالمثلث الفلسطيني اسبابه واضحه: أولاً قيادات سياسيه بأكثرها أصبحت تخاطب نفسها وتتغنم على إيقاع صوتها، ضاربة بعرض الحائط رغبات وأمنيات الشعب ومؤسساسته.. قيادات اصبح همها الوحيد تثبيت عرشها السلطوي او الحزبي او المؤسساتي..وأصبحنا امام جهاز قيادي سياسي طفيلي مرتبط عضوياً ( مالياً) ببعضه البعض وأصبح يستغل موقعه القريب من رأس هرم السلطه لتثبيت موقعه الحزبي او الجماهيري او المؤسساتي... وهذا الامر يشمل كل الاحزاب والحركات الفلسطينيه خصوصاً تلك التي تحسب نفسها على اليسار الديمقراطي.
ثانياً البرنامج السياسي والخطاب السياسي للحركات والأحزاب الفلسطينيه اصبح خطاب طوباوي وقسم منه شعبوي ابتزازي.
يتكلم السياسيون، اهل السلطه وهؤلاء الذون يضعوا أنفسهم بخانة المعارضة، عن حل الدولتين وهم يراقبون منذ اكثر من عقدين ونيف كيف يتم ضرب هذا المشروع واجتثاثه عبر رسم وتثبيت واقع كولونيالي ... والشعب يسأل ويتسائل؛ ماذا سيأتي بعد صراخ السياسيين وبعد امتعاضهم وبعد استيائهم وبعد استنجادهم بدافعي مراتبهم؟؟
الجواب من السطة ؛ البقاء على التنسيق الامني والبقاء على اتفاق باريس الاقتصادي والبقاء على مبدأ تبادل الاراضي والبقاء الى انتهاك السيادة الفلسطينيه يومياً والبقاء الى حصار غزه والبقاء على اسرى الشعب في معتقلات المغتصب والبقاء على امتيازات النخبه بالتحرك والامتلاك ... والمعارضه الديمقراطيه واللبراليه، التي تنتقد كل هذا وتسميه باسمه: المصيبه الفلسطينيه، لم تجرء حتى الان على خطوة تزيد ثقة الجماهير به وبخطابها السياسي ليعود، ولو جزءاً من الانسجام للمثلث الفلسطيني... نوابهم متشبثون بعضويتهم بالبرلمان، رغم انهم صباحاً ومساءاً يذكروا الشعب بعدم شرعيته...
الكل، معارضه وسلطه، يتبجحون بالرغبة بتجاوز الانقسام في الجسم الفلسطيني... لكن أحداً منهم لا يجرأ ان يسمي الامور بمسماها الحقيقي! ان الانقسام ليس شأن فلسطيني بحت بل فرض على طرفي الانقسام - فتح وحماس- من مموليهم، وان تجاوز هذا الانقسام يجب ان يكون اولا بوضع برنامج سياسي واقعي جديد يتفق عليه الجميع ويشتق منه برنامج نضالي حقيقي يتجاوب مع متطلبات المرحله وبعيداً عن تأثير اللاعبين الخارجيين الذون عبثوا كثيرا وطويلاً بالشأن الفلسطيني... الواقع الجيوسياسي في فلسطين وفي الإقليم وفي العالم اصبح يتطلب برنامج سياسي يرتكز على أسس جديدة غير تلك التي وضعت قبل حوالي نصف قرن من الزمن.. هذا البرنامج السياسي الجديد لن يتم تحقيقه والوصول اليه بمثل هذه القيادات...
اعادة الانسجام للمثلث الفلسطيني تبدأ بازدواجية تجديد الخطاب السياسي وتحديثه وتجديد النخبة السياسيه وتطوير ايدائها وليس فقط في السلطة وحزبها بل ايضاً بالأطراف والحركات التي تدعي الديمقراطيه... نعم الخطاب السياسي الفلسطيني تم تجاوزه من الواقع الذي نعيشه ونراقبه يومياً.. والقيادات الفلسطينيه التي تحمل هذا الخطاب تم تجاوزها ايضاً بابتعادها عن دقات قلب الشعب وهمومه... الشعب الفلسطيني كان وما زال وسيبقى الطرف الثابت الصامد والمعطاء في مثلث الانسجام الوطني الفلسطيني.