- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2017-02-21
لم تولد شجاعة بعد يمكن المباهاة بها وتسجيلها ، لدى تجارب الشعوب السياسية على مر التاريخ ، كما سجلها مجاهدو داعش والقاعدة ، فقد إنحط إهتمامهم بالحياة إلى مستوى الموت ، ولم تعد للحياة قيمة أو مكانة في نفوس مقاتليهم ، سواء لأنفسهم أو لخصومهم من التنظيمات الإسلامية ، أو لإعدائهم من القوميات والديانات والمذاهب الأخرى ، فقد سجلوا أرقاماً قياسية في عدد عملياتهم الجهادية ونوعيتها ما لم تسجله حركة سياسية عقائدية من قبل ، وسجلوا تفوقاً في حجم قتلهم وإعدامهم وتصفيتهم لخصومهم ولأعدائهم ما يمكن أن يكونوا في طليعة التنظيمات والحركات التي قامت بمثل أفعالهم ، ومع ذلك يطرح السؤال المشروع نفسه على الرغم مما إمتلكوه من قدرة وشجاعة وبسالة وتفاني ، لماذا لم ينتصروا ؟؟ .
فالإنتصار هدف الإنسان والحزب والتنظيم والحركة السياسية نحو الوصول إلى السلطة ، وتقديم نظام سياسي يتوسل رضى الناس وفائدتهم والإنحياز لهم ، وأن عقيدتهم أو فلسفتهم أو برنامجهم هو الأحق والأفضل والأرقى مما سبقهم وعما سيأتي من بعدهم ، ولكن القاعدة وداعش لم يجدوا لدى الشرائح الإجتماعية والشعبية التي حكموها أي تعاطف أو إحساس بالخسارة لغيابهم وهزيمتهم !! .
إذن ليست القوة والتضحية والفعل الجهادي وحده الكفيل بالحفاظ على السلطة وديمومتها ، بل العدالة والمساواة والإحساس بالكرامة وتوفير متطلبات الحياة وإحتياجاتها هي العوامل التي تُمسك بها الشعوب وتدفعهم للحفاظ على أنظمتهم والدفاع عنها والإستماتة من أجل بقائها ، وما حصل في العديد من البلدان التي إجتاحتها الجيوش الأجنبية كمحتلين لإسقاط أنظمتهم المحلية ، التي لم ترق لشعوبها إلى مستوى تحدي جيوش الإحتلال عند وقوع الأعتداء والإحتلال على البلد ، ذلك أن الظلم الذي فرضه نظامهم المحلي جعلهم في حالة مراقبة لا في حالة مواجهة ضد المحتلين ، وعندما تواصل الإحتلال ولم يقدم نموذجاً أرقى من نظامهم المحلي السابق ثاروا ضده وطردوه ، رغم إمكاناتهم المتواضعة أمام قوة وبطش عدوهم المحتل .
لقد سيطرت داعش بعد أن ورثت تراث القاعدة وتفوقت عليها ، العديد من المناطق الجغرافية في أسيا الإسلامية وإفريقيا ، ولكنها كما القاعدة لم تصمد أمام ضربات أعدائها وحط الأندحار والهزيمة عليها ، لأنها لم تقدم نموذجاً إسلامياً ينتمي إلى العصر ، بل إلى القرون الماضية وتخلفها ، فقد سعت إلى إعادة عجلة الحياة إلى القديم ، لذلك أخفقت ولن تُفلح ، لأن قيم العصر ليست من قيم الماضي ، وها هي تجربتا الحركة الإسلامية في كل من المغرب وتونس تسجلان نجاحاً لقدريتهما على التكيف وتقديم إجابات معقولة ومنطقية على أسئلة الجمهور والإستجابة لجزء من إحتياجاته ، وفق معايير العصر النسبية ، بينما لم تنجح حركة حماس الأخوانية في قطاع غزة في تقديم نموذج سياسي وإداري وتنظيمي يستحق الإحترام .
إذن علينا أن ندرك وأن نفهم معنى النضال وأهميته ، المقرون ببرنامج عملي ، وتطلعات واقعية يملك الشعب ثقة تحقيقها تعكس مصالحه وقيمه الجماعية ، حتى ولو كانت الظروف صعبة لا ترى من خلالها قطاعات واسعة في عدم القدرة على تحقيق الإنتصار ، في ظل المعيقات القائمة والظروف القاسية .
لقد حققت حركة فتح الفلسطينية تفوقاً ملموساً على خمسة أحزاب سياسية كانت تفوق إمكاناتها من الإخوان المسلمين والبعثيين والشيوعيين والقوميين العرب وحزب التحرير الإسلامي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، وتفوقت عليهم وغدت ببرنامجها وعملها وأهدافها هي برنامج الشعب وهي تنظيمه وقائدة نضاله والساعية لإستعادة حقوقه ، والمعبرة عن أمانيه وأحلامه الثلاثة في المساواة والإستقلال والعودة ، وبقيت كذلك حتى أخر إنجاز حققته بعودة العنوان الفلسطيني من المنفى إلى الوطن على أثر إتفاق أوسلو التدريجي المتعدد المراحل ، وبعد ذلك أخفقت تتأكل وتستكين على ما حصلت عليه من وظائف لقياداتها وكوادرها ومن سلطة محدودة باتت أسيرة لها ، بعد أن كانت هذه السلطة المقدمة الضرورية لقيام الدولة المستقلة .
ولم تكن حركة حماس أفضل حالاً ، فقد حققت نتائج مذهلة في الإنتفاضة شبه المسلحة الثانية عام 2000 ، بعد أن سجلت الإنتفاضة الأولى عام 1987 كعلاقة فارقة لحركة فتح ، وعبر فلسطينيو مناطق الإحتلال في الضفة والقدس والقطاع عن إنحيازهم لحركة حماس في الإنتخابات الثانية التي جرت عام 2006 ، وفازت بالأغلبية البرلمانية 75 مقعداً لصالح حماس ، مقابل 45 نائباً لصالح فتح ، من أصل 132 أعضاء المجلس التشريعي ، وتم تكليف إسماعيل هنية بتشكيل الحكومة ، وقادت حماس منفردة إلى أن قامت بالإنقلاب العسكري في عام 2007 لتستولي على قطاع غزة منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا لمدة عشر سنوات ، لم تقدم خلالها نموذجاً لإستمرار المقاومة ضد الإحتلال ، بل توصلوا إلى إتفاق التهدئة مع العدو الإسرائيلي ، أسوة بإتفاق التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب ، كما لم يقدموا نموذجاً أفضل من الأدارة بل أسوأ مما هو سائد في الضفة الفلسطينية ، تجعل شعبنا العربي الفلسطيني يواجه ظُلماً وقسوة وتخلفاً مزدوجاً تارة من الإحتلال وعدوانيته وفاشيته وعنصريته ، وتارة من سوء إدارتي فتح وحماس ، وأنانيتهما من التسلط والتفرد والأحادية ، مما ترك للإحتلال الهامش الأوسع نحو مواصلة برنامجه الإستعماري التوسعي نحو التحقق وإلتهام الأرض وتمزيقها وجعلها طاردة لأهلها بهدف إفقاره ، وتهويد القدس ، وأسرلة الغور وعزل مناطق الإحتلال الثلاثة عن بعضها القدس عن الضفة ، وكلتاهما عن غزة ، وهكذا تتواصل المصيبة والأنحدار وتأكل الذات .