يعرض تقرير مراقب الدولة عن «الجرف الصامد» ما هو جديد، منعش ومسؤول في مشهد تقارير التحقيق التي نعرفها من حروب الماضي. فالى جانب فحص تسلسل الاحداث حتى اندلاع الحملة، شكل إدارتها، دور «الكابنت» والاستعداد لتهديد الانفاق – يطرح التقرير السؤال الثاقب أكثر من كل الاسئلة الاخرى: هل بحثت بدائل سياسية كان يمكن من خلالها، ربما منع الحرب؟. لجنة أغرانات، التي فحصت حرب يوم الغفران، تمعنت في فشل الفكر الامني، استعداد الجيش وادارة الحرب في مراحلها الاولية، ولكنها لم تمعن الفكر في قصور الجمود السياسي. فلم تفحص اللجنة الامكانية في أن نكون قد فوتنا خيارا سياسيا (كان بالفعل) لعله كان يمكنه أن يعفينا من فظائع الحرب. فحصت لجنة فينوغراد استعداد الجيش لحرب لبنان الثانية، شكل عمله وجاهزيته وتناولت بتوسع سياقات اتخاذ القرارات. ولكن هي ايضا لم تفحص اذا كانت فوتت خطوات سياسة في السنوات التي سبقت الحرب، ويحتمل أنها كانت ستمنع وقوعها. بخلافهما، فان فحص المراقب يوسف شبيرا للجرف الصامد لا يتجاهل المجال السياسي والامكانيات التي كانت كامنة فيه لمنع اندلاع أحداث العنف. تقريره لا يعاني كسابقيه من النظرة الضيقة، التي تركز في المسائل العملياتية، في الدراسة المسبقة وفي سياقات اتخاذ القرارات قبيل الحملة وفي اثنائها. بلغته المحسوبة والمنضبطة يسأل المراقب اذا كانت بحثت في «الكابنت» في اثناء السنين التي سبقت الحملة بدائل سياسية كان يمكن من خلالها منع الجولة التالية من التصعيد وسفك الدماء. فهل بحثت امكانيات الموقف الاسرائيلي المختلف من ضائقة سكان غزة، ما كان سيعرض بديلا حقيقيا لحياة طبيعية على الموت، الدمار والخراب؟ جواب المراقب مدوٍ: لا! لم تجر مداولات في مسائل تتجاوز الشؤون العملياتية. يتوقف المراقب هنا ولا يسأل عن البنية التحتية، الفكرة التأسيسية للواقع الذي لا تطرح فيه مثل هذه الاسئلة. فلا يعجب لماذا لم تجر مداولات من النوع الذي يشير اليها. فلهذا يوجد جواب بسيط: اسرائيل اختارت منذ سنين استراتيجية ادارة النزاع على السعي المصمم للحل. كل جولات العنف في غزة وغيرها من الاحداث ذات المغزى الاستراتيجي في محيطنا لا تشكك بهذا الجمود الفكري الذي يدحضه الواقع المرة تلو الاخرى. عدد المرات التي تذكر فيها كلمة «انفاق» في بروتوكولات مداولات «الكابنت»، من حذر ومن غطى هو مسألة أقل حرجا بكثير بالنسبة للامن الوطني من الاسئلة الاخرى. مثلا كم مرة من مداولات «الكابنت» كرست في السنوات الاخيرة لفحص استراتيجية إدارة النزاع حيال امكانية السعي الى حله، هل طرحت خيارات سياسية وما هي الاعتبارات لرفضها. يفضل أصحاب القرار الاسرائيليين الانشغال في مجريات الحرب على الفعل السياسي، ويفشلون في ذلك المرة تلو الاخرى. والحسم في عدم اتخاذ مبادرة سياسية أو عدم الاستجابة لمثل هذه المبادرة هو أمر ذو آثار دراماتيكية على أمن سكان اسرائيل وهو الذي يقرب اندلاع الحرب التالية، التي لن تكون نتائجها مختلفة. ان التشكيك باستراتيجية إدارة النزاع والبحث في البدائل السياسية – هو الطريق لابعاد خطر الحرب القادمة.
* باحث في معهد القدس للبحوث السياسية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف