توجد أهمية خاصة لحقيقة أن رئيس حزب العمل اسحق هرتسوغ اختار نشر خطة النقاط العشرة في "هآرتس". ويبدو أنه بفضل هذه الحقيقة فان القسم اليساري لمصوتي حزب العمل التقليديين الذين يعتبرون أن انشاء دولة فلسطينية في حدود 1967 هي الطريقة الممكنة والمطلوبة الوحيدة من اجل تحقيق الحل السياسي (هذا الجمهور في اغلبية يعتبر من قراء "هآرتس")، سيعيد النظر في موقفه الانتخابي.
يوجد لخطة النقاط العشرة هدف علني ومزدوج: التقدم الحقيقي في حل الدولتين و"انقاذ الكتل الاستيطانية" – أي ضمان بقاء الكتل الاستيطانية تحت السيادة الاسرائيلية في الاتفاق النهائي. ولكن هناك تناقض كبير بين هذين الهدفين، لا يمكن حله. استمرار وجود الكتل الاستيطانية وراء الخط الاخضر يمنع ببساطة اقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة.
خلافا لما قيل (تم اقناع الاسرائيليين منذ زمن "لا يوجد شريك" لاهود براك وحتى الآن)، ليس فقط الخلاف حول حق العودة والقدس، الامر الذي أدى الى فشل محاولة التوصل الى الحل الدائم بعد اتفاق اوسلو. ولا يقل عن ذلك أهمية موضوع محادثات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين في كامب ديفيد وطابا وأنابوليس، موضوع مساحة الدولة الفلسطينية المستقبلية وصلة هذا الامر بالكتل الاستيطانية القائمة، كما هو معروف، في "قلب الاجماع الاسرائيلي".
في بحث معمق حول انابوليس ("عملية انابوليس، نفيه مدبار أو فاته مرغانا")، الذي نشر قبل أكثر من عام من مركز شتاينيتس لبحوث السلام في جامعة تل ابيب ومركز التجدد الديمقراطي، حيث يذكر عومر سمعاني أقوال احمد قريع في بداية المحادثات، الذي صاغ بناء على طلب تسيبي لفني، الموقف الفلسطيني حول ما هي الدولة القابلة للحياة: "دولة مع أراضي كافية مع تواصل جغرافي وقدرة على استيعاب جميع مواطنيها، ومن ضمنهم لاجئون. دولة كهذه... تكون لها سيطرة كاملة على مواردها المائية وعلى الحدود وتكون لها قدرة على نمو الاقتصاد بشكل مستقل".
الكتل الاستيطانية تقوم بتحويل هدف الدولة الفلسطينية المذكور أعلاه الى نكتة حزينة، حيث أنها تقطع التواصل الفلسطيني وتحطم النسيج الاجتماعي الفلسطيني في الضفة الغربية – هذا ما أوضحه الفلسطينيون مرة تلو الاخرى في المفاوضات الفاشلة من كامب ديفيد حتى انابوليس.
فيما يتعلق بكتلة معاليه ادوميم الاستيطانية مثلا، التي يوجد اقتراح قانون من اجل ضمها في لجنة الوزراء للتشريع، اكد الفلسطينيون مرة تلو الاخرى في كامب ديفيد وطابا أنه لا يمكنهم الموافقة على ضمها لأن هذا الامر يمنع طريقهم الى القدس من الجهة الشرقية. وقرر اعضاء الوفد الفلسطيني ذلك في انابوليس وحاولوا اقتراح صيغة حل وسط تقضي بأن يكون سكان معاليه ادوميم تحت سلطة الدولة الفلسطينية – هذا الاقتراح الذي لم يلتفت له الطرف الاسرائيلي.
توجد هناك "كتلة استيطانية مجمع عليها"، تحولت في محادثات انابوليس الى مركز الخلاف، هي كتلة اريئيل. وقد عارض الوفد الفلسطيني بشكل حاسم فكرة ابقاء الكتلة تحت سيطرة اسرائيل، وقالوا يكفي النظر الى أي خارطة معقولة لمعرفة أن هذا الامر غير ممكن. اريئيل التي مساحتها 20 كم وتوجد على الاراضي الفلسطينية من شأنها أن تقسم الدولة الفلسطينية الى قسمين. وهناك ادعاء آخر هو أن اريئيل أقيمت في هذا المكان بشكل مقصود لأنه يوجد تحتها القسم الاكبر من المياه الجوفية، وضمها سيمنع الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم في مجال
المياه. وقد رفضت اسرائيل التطرق الى هذا الادعاء لاعتبارات اجرائية (الفصل بين النقاشات الجغرافية والنقاشات حول المياه).
يصعب القول إن هرتسوغ لا يدرك أن "انقاذ الكتل الاستيطانية" يعني أن الدولة الفلسطينية التي من المفروض أن تستوعب الفلسطينيين – لن تكون سوى كانتونات، ولا مناص من الاستنتاج أن "الهدف النهائي للدولتين"، الذي تحدث عنه رئيس المعارضة في خطته، ليس سوى إسم رمزي للموافقة على التعلق الاقتصادي والسياسي للشعب الفلسطيني بين النهر والبحر.
من هذه الجهة، هرتسوغ لا يختلف عن بنيامين نتنياهو – ليس غريبا أنهما، كما كشفت "هآرتس" – كانا سيتحالفان معا قبل نصف سنة في حكومة وحدة وطنية بناء على وثيقة مشتركة لتحريك مبادرة سياسية، فيها ايضا تم الاعلان عن ضرورة الاعتراف بوجود "مراكز سكانية قائمة" وضم الكتل الاستيطانية في الاتفاق النهائي.
نظرا لأنه من الواضح أن "الدولة الفلسطينية" حسب هرتسوغ مع الكتل الاستيطانية في حلقها، هي عمليا فكرة "دولة غير كاملة" التي تحدث عنها نتنياهو. ونظرا لأنه لن يتنازل أحد من المرشحين لاستبدال نتنياهو عن حلم "الكتل الاستيطانية"، فان السؤال المطروح هو ألم يحن الوقت لأن يطلق مصوتو العمل الذين يؤيدون فعليا حل الدولتين هذا الحزب، ويؤيدون الحزب الصهيوني الوحيد – ميرتس – الذي يعتبر أن تقسيم البلاد هو الطريقة الوحيدة من اجل التوصل الى المساواة الحقيقية بين القوميتين، وليس مجرد غطاء كلامي للاستمرار في انتهاك حقوق الفلسطينيين القومية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف