اللقاءات الجانبية، التي جرت على هامش القمة العربية في الاردن، أكثر تشويقاً مئة مرة من البيان الختامي. فحين تلا الأمين العام للجامعة العربية القرارات الـ 17، التقطت الكاميرات ثلاثة رؤساء (اليمن، جيبوتي، والكويت) غارقين في غفوة عميقة. في تلك اللحظات اصطف طابور طويل لدى المبعوث الأميركي الخاص. فقد جاء جيسون غرينبلات للعمل على مدار الساعة في الجانب الاردني من البحر الميت. والنتيجة: السيسي، رئيس مصر، يهبط في واشنطن للقاء عمل مرتب مع ترامب. وفي منتصف الاسبوع سيصل عبدالله، ملك الاردن، وفي نهاية الشهر سيصل هناك رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس.
رسميا، مثلما يدعون في الطرف العربي، فان المفاتيح لإعادة تحريك المسيرة السياسية باتت في الداخل – سافروا رافقتكم السلامة. فبعد أن نفضت القمة العربية الغبار عن مبادرة السلام العربية، لا حاجة إلا الى التدوير. دور القيادة ستأخذه مصر، والاردن عرف كـ»شريك اساس»، واسرائيل تلتصق بدور الهامس على التلة. هكذا فان فريق ترامب يشمر عن اكمامه لتشكيل طاولة العمل. هذا هو السبب الذي جعل ابو مازن يدعى الأخير الى البيت الأبيض. فقط ملك المغرب، الذي فقد الاهتمام بالقمم العربية، تغيب دون أن يعتذر.
العيون تتجه الى القدس. عندما يرد نتنياهو على المبادرة العربية بمستوطنة بديلة لمن تم إخلاؤهم من «عامونا»، فان العرب يتفجرون. فقد شطب حكام العالم العربي التطبيع من القاموس. ومن الآن فصاعدا قولوا «مصالحة تاريخية» عموم عربية، شريطة أن توافق اسرائيل أو ان يخضع ترامب نتنياهو ليقبل حل الدولتين وتتعهد اسرائيل بانسحاب كامل الى خطوط 1967. بكلمات أبسط، حين يبدأ اليمين بالضغط، سيكون للعرب العذر: كعمق التنازل الاسرائيلي هكذا سيكون عمق التعاون من الطرف الآخر. وكلما تمترس نتنياهو سيتنازل له ترامب، وسيبقى النزاع الاسرائيلي- الفلسطيني عالقاً.
يوجد جانب آخر، لا يقل اهمية، للقاءات في البيت الابيض. فعندما يشير محللو السيسي الى «الكيمياء الجيدة» التي نشأت مع ترامب، فانهم يشيرون الى مصلحة اقتصادية. فمع أو بدون تحريك سياسي، من المحظور السماح بسقوط مصر. ليس سراً أن مصر عالقة في أزمة اقتصادية. لا حاجة ليكون المرء خبيرا كبيرا كي يقدر بان الجمهور الغاضب والجائع قد يعود الى الميادين. وضع مشابه جدا يسود الاردن. ترامب، بخلاف اوباما، لا يتأثر بوضع حقوق الانسان في حارتنا. فهو يرى الاعداد، وتساعده اسرائيل في أن يفهم بان الادارة ملزمة بتعزيز الانظمة.
في لحظة دراماتيكية، رأينا ان الرئيس المصري يغادر جلسة القمة في اللحظة التي بدأ فيها حاكم قطر في الخطابة. وهذا لم يكن فقط خروجا استعراضيا شكل «حردا» بين الدولتين. من المهم تشخيص النبش الأميركي من خلف الكواليس، حديث التوبيخ الذي تلقاه ابن الملك السعودي، الذي بادر الى المصالحة بين الملك سلمان والسيسي. وها هي الصفقة الدائرية: اذا كان جلالة الملك السعودي معنيا بالتعاون مع إدارة ترامب، واذا كان يحوم فوق كل الرؤوس ظل التهديد الايراني، فان السعودية مطالبة بان تتجند وتقدم نصيبها. هنا، على هوامش القمة، نجحوا في اعادة ارساليات النفط إلى مصر، وعلى الطريق ستفتح المحافظ لتساعد الملك الأردني أيضاً.
من يتنبؤون بالشر موجودون ليس فقط عندنا. صحيح أنهم لم يطلقوا التهديدات، ولكن رئيس الوزراء نتنياهو تلقى ضربة كبيرة من الملك الاردني. فقد أصر عبدالله على التحذير من أن «سرائيل تقوض مساعي السلام». وكما يبدو هذا، فان ترامب بدأ يستوعب بانه حصل على رزمة معقدة. وبينما يبحث مستشاروه عن صيغة، فاننا نوصي بقلب الترتيب رأسا على عقب. تحرير السدادة السياسية عبر الخبز والزبدة. أولا مشاريع اقتصادية، نوع من التجند الميداني، وفقط بعدها فتح الطاولة واجلاس الاطراف.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف