في ذروة حرب الاستنزاف بحثت اسرائيل عن حل لمشكلة تنفيذية: كيف يمكن التصوير في عمق مصر. الحل المطلوب للتصوير بواسطة الطائرات الحربية كان اشكاليا بسبب الصعوبات التي أوجدتها الصواريخ الروسية التي وضعت في مصر في أعقاب حرب الايام الستة. شخص ما أوجد في حينه فكرة مجنونة وهي أخذ طائرة لعبة ووضع كاميرا عليها وارسالها الى ما وراء الحدود. وبعد تجربة واحدة تبين أن هناك حاجة الى أكثر من كاميرا على الطائرة. فقام الجيش الاسرائيلي بالتوجه الى الصناعات الامنية وطلب تنفيذ الفكرة. والاجابة كانت حاسمة، وهي أن هذا غير ممكن. فالكاميرا ثقيلة والطائرة صغيرة وهذا لن ينجح. الجيش الاسرائيلي قرر العمل وحده، وتم القاء المهمة على الوحدة التكنولوجية في الاستخبارات. وقد جلس خيرة المهندسين بضعة اشهر وعملوا على تطوير كاميرا صغيرة بجودة عالية قياسا بتلك الفترة، وكان يمكن وضعها على الطائرة اللعبة والتصوير سرا في عمق منطقة العدو. هذا التطور الانقلابي الذي تم استكماله في العام 1967 كان مثابة النموذج الاول للطائرة بدون طيار التي تقوم بالتصوير، وهو الذي شق الطريق أمام اسرائيل لتصبح قوة عالمية في مجال الطائرات بدون طيار. هذا المثال الذي يتم كشفه هنا لاول مرة هو شهادة نادرة على عمل وحدة التكنولوجيا. والحديث يدور عن قسم من الاقسام الاكثر سرية في اسرائيل الذي يتبع للعمليات الخاصة في الجيش، والذي اسهامه في الامن مهم جدا: البرهان على ذلك الجوائز الـ 33 التي حصلت عليها هذه الوحدة بفضل الاختراعات والحلول الخاصة، والتي البعض منها كان للمشكلات غير القابلة للحل. «دورنا هو جمع المعلومات بطريقة مختلفة وخاصة»، قال العقيد ز، رئيس قسم التطوير الميكانيكي في الوحدة، «نحن نقوم هنا بتطوير أطر: نعرف ما هي الحاجة أو المشكلة ونقوم بايجاد الحل». واضاف العقيد س. رئيس قسم الالكترونيات والبرامج «يطلبون منا الوصول الى هناك، ويأملون لنا النجاح، ودورنا هو ايجاد الطريقة لفعل ذلك». منذ تم تشكيلها في العام 1948 وجدت الوحدة مئات الحلول المشابهة: البحث العلني يظهر دورها في الماضي البعيد ويسمح للخيال بجسر الهوة مع الفترة الحالية، التكنولوجية جدا والمليئة بالاجهزة والسايبر. ومن الطبيعي، كل ما تقوم الوحدة بتطويره هو سري جدا، واستخدامه العلني سيجعل اسرائيل تخسر قدرتها الخاصة، لأن الحديث على الاغلب يدور عن حلول وجدت داخل الوحدة – اختراع عالمي غير مسجل على أنه اختراع – والكشف عنه سيؤدي الى سرقة الفكرة على الفور، واستخدامها من قبل الطرف المقابل. بعض الاختراعات استمرت بضع سنوات واستثمرت فيها مبالغ باهظة، لكن الانعطافة كانت تعود على الاستخبارات والجيش بقيمة تبلغ اضعاف ذلك. الاجهزة التي تم تطويرها في الوحدة تعمل من الارض وحتى الفضاء، وتستخدمها الاذرع العسكرية والاستخبارية بطرق مختلفة، واحيانا من بعيد، واحيانا من قبل المقاتلين انفسهم (خاصة وحدة الاركان الخاصة)، واثناء العمل في المناطق المعادية. الحديث يدور عن اجهزة دقيقة واستثنائية تحتاج الدقة المطلقة، تحت عنوان «صفر اخطاء». وكل جهاز كهذا وكل عملية لادخاله الى حيز العمل تمر بالفحص الدقيق من اجل منع اكتشافه أو فشله في لحظة الحقيقة. «لا يوجد جسم كهذا في البلاد وفي العالم»، قال ي. رئيس قسم المصداقية الذي يخدم في الوحدة منذ عشرات السنين. «نحن لسنا شركة تجارية يمكنها ارسال الخبير لاصلاح الخطأ، لذلك كل ما يخرج من هنا يجب أن تكون له مصداقية مئة في المئة كي يتمكن من تنفيذ المهمة وتحقيق النتائج دون تعريض الحياة للخطر ودون الاضرار بالأمن». الطريق الى هناك تمر في صعوبات سيزيفية من الفحص والتجارب من اجل ضمان نجاح كل الجهاز. وي. يشبه ذلك بـ»عود الثقاب الذي يتم اشعاله مرة واحدة في ظروف ضغط الميدان، لكنك لا تستطيع اشعاله مسبقا لأنك ستحرقه. ودورنا هنا ليس تطويره فقط، بل معرفة أنه عندما يصل المقاتلون معه الى الميدان سيشتعل بنجاح». تعمل وحدة التكنولوجيا من داخل مبان رمادية في مركز البلاد. هناك توجد المكاتب والمختبرات التي يتم فيها التطوير. الكثير من العاملين فيها هم من المواطنين، ومن بينهم حاصلون على الدكتوراة في المجالات الخاصة بالفيزياء والهندسة، لكن الاساس هو رجال الجيش – الافضل، احيانا يأتي الحل أو الانعطافة من جندي شاب فكر بشكل مختلف عن الجميع. هذا يحدث على الاغلب في العصف الذهني داخل الوحدة، ومع الجهات الخارجية، لا سيما الزبائن «ثقافة العمل هنا تُمكن الاشخاص من التعبير عن أنفسهم»، قال ش. وليس دائما يكون الحديث عن عباقرة الحاسوب أو المهندسين. «نحن وحدة من المهنيين الذين في معظمهم تكنولوجيون، لكن يوجد ايضا غيرهم»، قال العقيد د. رئيس قسم التطوير التكنولوجي والبرمجة في الوحدة. «الحكمة هنا هي العمل المشترك – قدرة الحداد الذي يجلس مع التكنولوجي لايجاد الحل للمشكلة، تمكننا من اعطاء الحل الخاص للزبون الخاص مع طلبات خاصة جدا». المهندس الرئيسي في الوحدة ع. وصل اليها قبل 28 سنة، حيث كان عدد قليل يعرفون عن وجودها في حينه. وقد كان يحسد صديقه الذي ذهب للخدمة في موقع سلاح الجو في «متسبيه رامون»، «لأنه كانت توجد هناك بركة سباحة». ولكن صديق آخر من خريجي التخنيون قال له إن مهمته أفضل كثيرا لأنه «سيخدم في مكان يضعون فيه المرايا على القمر». وهنا قال ع. إن صديقه كان متواضعا في اقواله، «نحن نقوم بوضع المرايا على المريخ». الطريق الى المريخ تمر في الثقافة التنظيمية للوحدة التي تعتبر أنه لا توجد مشكلة بدون حل. وقال ز. إنه اذا رأى المحاضرون في الجامعة بعض الامور التي يعملونها في الوحدة، كانوا سيطردونه لأن هذا يناقض قوانين العلم. «نحن لا ننجح دائما في الوصول الى حيث نريد، لكننا نحاول تفكيك المشكلة والتقدم، حتى لو كان ببطء، من اجل أن يتمكن أحد ما في زمن ما من الوصول الى الحل». وهذا الامر يتم بفضل القدرة على تركيز الجهود على مشروع معين وجلب افضل الأدمغة والقدرات. «لا توجد لنا أموال أكثر من «غوغل»، لكن لدينا القدرة على أخذ الامور من اساسها وبناء مشروع ضخم يعطي نتائج»، قال ش. اختراعات كثيرة من الاختراعات التي طورتها الوحدة تساوي المليارات، والمخترعون فيها يمكنهم أن يصبحوا من الأثرياء، لكنهم لا يغضبون من ذلك لأن هذا هو اسهامهم للدولة. عند الحديث عن حلول خاصة فان التحدي هو الاحتفاظ بها ومنع خروجها وتحولها الى تكنولوجيا مدنية، لذلك فان السرية عالية. وعلى مدى السنين كان للوحدة دور في التطور التكنولوجي السائد في العالم الآن. والامتناع عن النشر ينبع من الرغبة في عدم تمكين الأعداء أو الاصدقاء من معرفة ما يقومون بفعله هنا. الفترة الحالية تضع الوحدة أمام تحدٍ ثلاثي. الاول، الحاجة الى تجنيد الافضل والحفاظ عليه، كي تبقى الوحدة متقدمة خطوة الى الامام. الثاني هو التقدم التكنولوجي الذي يمنح الفرصة والقيود في نفس الوقت: في العالم الذي يوجد فيه لاعب مثل «غوغل» أو «الفيسبوك» وقوى عظمى مثل روسيا والصين التي يمكنها استثمار الاموال والقوى البشرية لحل أي مشكلة، تجد الوحدة نفسها في منافسة في المجالات التي كانت تلعب فيها وحدها في السابق. التحدي الثالث هو أمام العدو الذي يُمكنه التقدم التكنولوجي ايضا من الاستفادة: «حزب الله» و»حماس» تستخدمان الآن صواريخ وطائرات بدون طيار متقدمة، وحملات السايبر التي تهاجم وتقوم بجمع المعلومات. هذه الامثلة تلزم اسرائيل والوحدة بأن تكون متقدمة بخطوة. «نحن نعمل بجدية كي نكون هناك، وأن نصل الى حلول خاصة. وهذا تحد يومي»، قال ز. «لأنك تدرك أنه اذا توقفت للحظة فأنت ستموت».

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف