من فوق كل الكوابيس التي تطارد رئيس الوزراء، في بعضها يلعب دور النجم أفراد من الشرطة ومتبرعون متنوعون، يبرز كابوس مركزي: النظر الى طائرة سلاح الجو رقم واحد للولايات المتحدة تهبط في مطار بن غوريون بعد عشرة أيام، ورؤية رونالد لاودر ينزل منها بعد الرئيس ترامب. ليست هذه صورة وهمية. ثمة بالتأكد احتمال بان ينضم لاودر الى جولة ترامب في الشرق الاوسط. وحتى هذه اللحظة فان لاودر هو المساعد الخاص للرئيس لشؤون الشرق الاوسط والمفاوضات. وكما سبق أن نشر، فهو أحد الاشخاص الأكثر قربا من الرئيس والذي يعتبر «محرك» الطاقة المبالغ فيها المكرسة في البيت الابيض لعقد تسوية سلمية اسرائيلية - فلسطينية. من ناحية نتنياهو، إذا تجاهلنا قضايا التحقيقات فلا يمكن أن يكون ثمة نذر اقسى من هذا.
فكروا في هذا لحظة: نتنياهو يرى في ترامب مخلصاً. ليس أقل. فبعد ثماني سنوات مع باراك حسين اوباما الكريه جاء الخلاص في صورة الجنجي من البرج المذهب، أميركي يتحدث انجليزية نتنياهو، وسيساعد رئيس الوزراء في أن يضع حدا، واحدا والى الأبد، لترهات السلام. فماذا تبين؟ تبين أن نتنياهو حصل على الجنجي غير الصحيح. وحسب الخطة، فان الملياردير اليهودي المقرب جدا من ترامب كان يفترض أن يكون شيلدون ادلسون. اما في الواقع، فتبين ان الملياردير اليهودي الأكثر قربا من الرئيس هو رونالد لاودر. بكلمات اخرى، فان هذا بمثابة أنك تستعد للقاء مع بتسلئيل سموتريتش فاذا بك تلقى بدلا منه يوسي بيلين.
رأسمالي مواد التجميل النيويوركي هو النقيض التام لبارون القمار من لاس فيغاس. فقد كان يفترض بادلسون أن يحرق ما تبقى من مسيرة السلام. اما لاودر فيرى في تحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين مشروع حياة، وهو واثق بان هذا ممكن، ومقتنع بان هذا قابل للتحقق، وهو يعمل على هذا بشكل مستقل منذ بضع سنوات، متجولا في الشرق الاوسط، يلتقي السيسي وعبدالله وابو مازن وكبار العالم السني المعتدل المرة تلو الاخرى في محاولة لوضع صيغة تحقق الحلم.
الاثنان هما الامر ونقيضه حتى من ناحية الشخصية: ادلسون الصاخب، الواثق بنفسه، الحازم والعنيف، مقابل لاودر الهادئ شبه الصامت، الفهيم والخجول. اضافة الى كل هذا، لا تخطئوا في خجل لاودر. فخلفه يختبئ تصميم، حلم حياة وطموح. اضيفوا الى هذا 4 مليارات دولار وطائرة خاصة، وستحصلون على مشاكل نتنياهو. ولم نذكر بعد حقيقة أنه في العام 2011، القي بلاودر وطرد من أمام الزوجين نتنياهو كالكلب المضروب؛ لأنه تجرأ على السماح ببث التحقيق في قضية «بيبي تورز» في القناة الـ 10 التي كانت في حينه تحت سيطرته. منذئذ وحتى اليوم ليس للاودر اي علاقات مع الرجل الذي رباه، اعتنى به، موله، واعجب به منذ كان في نيويورك. هذا مؤلم له، يحز في لحمه ويثقل على روحه. لاودر مشتاق جدا لنتنياهو. وقد وجد الطريق المثلى للعودة الى الغرفة بعد أن طرد منها: طريق السلام.
هذا الاسبوع كشف النقاب، في «معاريف»، عن الحقيقة المذهلة بان رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن حل ضيفا في منزل لاودر قبل أن يلتقي الرئيس ترامب في البيت الأبيض. وقد «أعد» لاودر في واقع الامر ابو مازن للقائه الحرج مع الرئيس. وحسب المقربين الضالعين في الامور هناك، فان اللقاء المسبق بين لاودر وابو مازن تم بتكليف من ترامب نفسه. بتعبير آخر، فان لاودر هو مبعوث غير رسمي من ترامب. وباقي اللقاءات والمحادثات التي أدارها لاودر في الاشهر الاخيرة مع مسؤولين كبار جدا في العالم العربي وفي الشرق الاوسط جرت هي ايضا لمعرفة ترامب على الاقل، ان لم يكن اكثر من هذا. فقد كان مطلعا قبلها، في اثنائها، وبعدها. لاودر، الذي كان ذات مرة المبعوث الشخصي لنتنياهو، أصبح مبعوث ترامب.
يعرف نتنياهو هذه التفاصيل، وينظر اليها دون أن يصدق. عالمه ينهار عليه. فبعد الانتخابات في الولايات المتحدة كان واثقا من أنه وصل أخيرا الى جنة عدن، فها هو يجد نفسه في الجحيم.

قانون «تايلور فورس»!
هذا هو السبب الذي يجعله لا يتجرأ حتى ولو على تغريدة ضعيفة وحيدة بالنسبة للبناء في المستوطنات في الاسابيع الاخيرة. هذا هو السبب في ان كل شيء في واقع الامر مجمد. هذا هو السبب الذي جعله يؤجل نقاشا كبيرا بشأن البناء إلى ما بعد زيارة ترامب. هذا هو السبب في أنه لا يحرك إصبعا كي يشجع تشريع «تايلور فورس» في مجلس الشيوخ الأميركي.
فما هو تشريع «تايلور فورس»؟ قانون يدفعه السناتور الجمهوري عظيم النفوذ، ليندسي غرام، ويأخذ اسم تايلور فورس مقاتل المارينز الأميركي الذي قتل في عملية المتنزه في تل أبيب قبل أكثر من سنتين. وحسب القانون، فان اموال المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية تجمد طالما تواصل السلطة دفع المخصصات لـ»المخربين». نتنياهو بطل كبير في الخطابات في اسرائيل في هذه المسألة، ويجلد ابو مازن في كل فرصة حول هذا الموضوع.
في الايام العادية كان رئيس الوزراء يضع «ايباك» تحت تصرف السناتور غرام، ويتجند بشكل شخصي في عشرات المكالمات الهاتفية الى تلة الكابيتول في محاولة لتمرير القانون المذكور. ولكننا لسنا في ايام عادية. لا يفتح مكتب رئيس الوزراء فمه حول هذا التشريع. وصمت نتنياهو صمتا مطبقا. اللوبي اليهودي تبدد، لا مكالمات، والقانون عالق. لشدة العجب، فان الرئيس ترامب، الذي يتناسب القانون ظاهرا مع آرائه، لا يؤيده. وحتى الآن توقف القانون.

أبو مازن اجتاز الروبيكون
في هذه اللحظة لا يعرف أحد جوابا على سؤال اذا كان تصميم ترامب على تحريك المسيرة السياسية ودفع الطرفين الى تسوية هو نزوة مؤقتة له، أم شيء حقيقي. مهما يكن من أمر، فما يقولونه في محيط الرئيس وما تعتقده محافل مقربة منه ومشاركة في المسيرة، هو الامور التالية: محمود عباس، الذي هو ابو مازن، اجتاز الروبيكون. فقد اتخذ، أخيرا، القرار. هو ابن 82، يدخن علبتين من السجائر في اليوم، يعرف انه لن يكون هنا زمناً طويلاً، وقد قرر ان يكون هو الذي يعلن عن قيام دولة فلسطينية. هذا هو. يقولون في الدائرة الداخلية لترامب. ابو مازن كف عن الخوف. هو شريك. والآن يحاولون الاستيضاح اذا كان نتنياهو هو الآخر شريك. يا للعار.
من ناحيته، ابو مازن يسير مع التيار. من يعرفه يعرف كم خيب أمل من اعتقد في الماضي بانه قادر بالفعل على التوقيع على تسوية دائمة. ولكن في هذه الاثناء على الاقل فانه يلعب الدور: يصرح، اكثر من مرة، بانه سيكون مستعدا للقاء نتنياهو بدون شروط مسبقة. في الاحاديث العملية يتبين أن ليس للزعيم الفلسطيني اي شرط مسبق للدخول في مفاوضات. اين هي ايام المطالبة بتجميد المستوطنات او تحرير السجناء او الاعتراف بحدود 1967 كاساس للمفاوضات؟ الفلسطينيون ناضجون للدخول الى الغرفة، كيفما هي الامور. فماذا عن الاسرائيليين؟ بينيت يتحدث عن سلام اقتصادي، اوفير اكونيس يعلن بانه «طالما كان في الحكومة» لن تكون دولة فلسطينية، وزراء «الليكود» يتنافسون فيما بينهم في مسألة من يطلق الحماسة الاكثر تطرفا، ونتنياهو ينظر الى ما يجري ولا يصدق.

ماذا بعد الفشل؟
لا حاجة ليكون المرء عبقريا كي يفهم بانه لا احتمال لتحقيق تسوية دائمة بين اسرائيل والفلسطينيين في الظروف الحالية. الحد الادنى الذي يمكن لابو مازن ان يقبله بعيد عن الحد الاقصى الذي يمكن لنتنياهو ان يعطيه. محيط غير قابل للجسر يربض بين الاثنين. لا يمكن لاحد، ولا حتى لترامب، أن يربع هذه الدائرة. والسؤال الاكثر اهمية هو ماذا سيحصل بعد أن تتفجر القصة، او تعلق. من سينتصر في لعبة الاتهامات؟ على من سيلقي ترامب المسؤولية عن فشله؟ بخلاف حالة اوباما، حيث لن يحصل لاسرائيل اي شيء حتى بعد انهيار المفاوضات، لدى ترامب المجنون لا يمكن لنا أن نعرف. فالرجل قابل لكل شيء، وهذا بات يعرفه الجميع. وليس عبثا ان قال نفتالي بينيت، هذا الاسبوع» «انتهى عصر المناورات. ينبغي قول الحقيقة لترامب». بينيت محق. اذا حاول نتنياهو خداع ترامب مثلما خدع اوباما ثماني سنوات، فانه يجد نفسه مطلياً بالزفت والريش.
ظاهرا، عندنا تفوق طبيعي في كل ما يتعلق باستمالة قلب ترامب، اليس كذلك؟ إذاً، هذا هو، ليس مؤكدا. ثم الحديث عن العلاقة الوثيقة التي تجمع ترامب مع العالم العربي في هذه الصفحات في الاسابيع الاخيرة. في القدس ينظرون لهذه العلاقة بحسد ظاهر. ليس واضحا بعد من أين يأتي هذا، ولكنه حقيقة. رجال الخليج، السعوديون، وحتى المصريون، يتمتعون بقدرة وصول فورية الى البيت الابيض بمستوى اسرائيل، بل أكثر منها. لترامب منظومة متفرعة من العلاقات التجارية معهم. وبعد الانتخابات لم يقل إنه اضطر لرفض صفقة مجدية ومغرية على نحو خاص بمبلغ ملياري دولار عرضها عليه زميل من الخليج. ترامب ليس رئيسا بل ملك. وكملك يشعر بالقرب من الملوك، الامراء، والسلاطين بصفتهم هذه. احد ما يجب أن يهمس في اذنه بان نتنياهو هو الآخر قيصر. فلعل هذا يساعد في شيء ما.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف