في حرب «الايام الستة»، التي نشبت نتيجة ازمة عميقة تتعلق بعدم وجود الصلاحية لدى حكومة إسرائيل، إلى درجة ضياع السيطرة المركزية، في نسختها الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو لكن ليس في قيادته، الحكومة ليس لها حكم على الاطلاق، بل يتم جرها. إن من أثار ازمة الصلاحية هو دافيد بن غوريون، الذي سعى طوال حياته الى تركيز القوة بيديه، وتسبب بانهيار الحزب الحاكم «مباي». طلبه الاساسي بفرض السيادة يسري فقط على الآخرين. وعندما فرض بن غوريون على موشيه ديان وبيريس واقام حزب رافي ضد ليفي اشكول، حرم حزب العمل من فرصة تركيز قوة الحكم المستقر. حزب رافي، الذي كان على يمين «مباي» وخارج الحكومة، شكل جسرا للقوة الصاعدة على يمينه مثل «غاحل» و»حيروت» الليبرالية التي منحت المصداقية لمناحيم بيغن، الذي كان حتى ذلك الحين منبوذا كحليف سياسي. انتصر اشكول في انتخابات خريف 1965، وظاهرا كان بطل اللحظة، لكنه عمليا أصبح ضعيفا الى درجة أن «رافي» و»غاحل» أصبحا بطلي الغد (بيغن)، وبطل بعد الغد (بيريس). كان اشكول وزير دفاع جيدا جدا في بناء القوة العسكرية، وأقل جودة في فرض الانضباط السياسي على الجيش الاسرائيلي. كان له المساعد والمعارض، رئيس الاركان الرائع اسحق رابين، الذي لا يعرف متى يصمت. أساس تصريحات رابين ضد النظام السوري عكس حقيقته، ففي هذه التصريحات كانت سذاجة استراتيجية. لعب رابين «البوكر» على الطاولة المحلية، دون تقديره بشكل صحيح خطورة انضمام لاعبين خارجيين يمكنهم تحطيم الأدوات والقوانين معا. إن طريقة هيئة الاركان برئاسة رابين لم تكن ثورية. فقد ترجمت نهج بن غوريون الى واقع الستينيات. النهج الذي أدى قبل ذلك بعقد الى نشوب حرب «كديش». هذه طريقة الابيض – الاسود، حرب الـ 1: صفر، الحرب والسلام. اسرائيل ليست مبنية لحروب الاستنزاف. أفضليتها في التجند القصير، بغطاء من القوة العظمى، والتصادم السريع. اذا حاولت جهة عربية – النظام في القاهرة أو دمشق، بنفسها أو من خلال الفلسطينيين – القيام بعمليات، يجب وضعها أمام خيار واحد حاسم، إما القتال أو الاستسلام. فشل رهان رابين على تصميم السلوك السوري، عندما فاجأ المصريون والاتحاد السوفييتي بتوسيع دائرة اللاعبين. الرذاذ الـ»بن غوريوني» ضد صلاحيات اشكول، في نقاش مع رئيس الاركان الذي أراد التشاور، ضد رابين ايضا، تحول الى سيل جارف أخذ معه ملف وزارة الدفاع لديان، وأدخل بيغن الى الحكومة – رغم اقوال رئيسة «مباي»، غولدا مائير، بأنه لا حاجة الى شركاء من اجل الانتصار – وقام بتغيير الخريطة السياسية للخمسين سنة القادمة، وهذا الزمن ليس نهائيا. هكذا ولدت الاهداف الجديدة للحرب التي فرضتها الجهات العسكرية والمدنية على هيئة الاركان والحكومة. ونظراً لأن القوى الجديدة من اليمين في حكومة اشكول وحكومة غولدا مائير وحتى «غوش ايمونيم» استيقظت خلال اسابيع معدودة، ومالت الكفة السياسية من المسار المتوازن لـقرار 242 الى الاستيطان، بقيت السلطات في القدس تنتظر المكالمة الهاتفية من الملك حسين وأوامر فتح النار – أو المصادقة على الهبوط في مطار بن غوريون – قبل الرئيس السادات. الحرب التي كان يجب أن تضع حداً للاستنزاف النسبي، كانت محتملة، وأدت الى الاستنزاف المتواصل مع الكثير من القتلى في غزة والضفة الغربية ولبنان، والتي يتم قبولها كأمر مصيري لأجيال، هذا الاستنزاف يمكن انهاؤه بثمن معروف. في هذه الاثناء يستعد نتنياهو لامتصاص ترامب. فهو رئيس الحكومة اسمياً فقط، يقوم بالقاء الخطابات والظهور ويتحدث، لكنه لا يحكم. وحراسه لا يستطيعون الدفاع عنه من مخاوفه ومن زوجته ومن سجانيه في سياسة المستوطنين. وبدون قيادة شجاعة وحكيمة ستستمر اسرائيل في الهبوط نحو الهاوية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف