في مثل هذا الأسبوع قبل 34 سنة دعاني شمعون بيريس الى بيته وبشّرني بأنه هو واسحق رابين قررا إرسالي لفتح مفاوضات رسمية في «أوسلو» مع مندوبي «م.ت.ف». كان هذا حسماً مهماً من جانب اثنين من مؤسسي القوة الأمنية لإسرائيل، تجرآ فيه على الوصول الى قرار تاريخي بتقسيم البلاد. لقد أخذ بيريس بالوصية والخط الذي شقه دافيد بن غوريون مع اقامة الدولة، وبموجبه فضّل دولة يهودية وديمقراطية على قسم من «بلاد اسرائيل» على كل البلاد بلا دولة يهودية. هذا الحسم لا يزال أمامنا اليوم أيضا. غير ان الحكومة الحالية تسير بالاتجاه المعاكس، نحو دولة ثنائية القومية. خلقت اتفاقات اوسلو إطار مفاوضات وصراعاً على حل الدولتين. لقد كان الاتفاق صحيحاً في معظم أجزائه، وقد يكون مترددا اكثر مما ينبغي. وقد تضرر بشدة من معارضيه في الطرف الفلسطيني، «حماس»، ومن الطرف الاسرائيلي، حين كف رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي عارض الاتفاق وتطبيقه باسناد من المستوطنين. لقد نفذ «الارهاب» في حينه ضد الاتفاق وليس بسببه. كل حسم لصالح السلام، في المستقبل أيضا، سيجرّ في بداية الطريق مقاومة عنيفة. ثمة حاجة لزعماء، مثلما كان بيريس، رابين، لديهما الشجاعة للقيام بالعمل الصحيح من اجل هوية الدولة وليس من أجل مصلحتهم الشخصية. لقد آمن بيريس فوق كل شيء بأن اتفاقات اوسلو هي بوصلة اخلاقية، وانه محظور على الشعب اليهودي ان يصبح محتلا. قبل وفاة بيريس كان قلقا على مستقبل الدولة، ولكنه شعر بالتفاؤل في أن يتحقق هذا الإرث في نهاية المطاف. لو كان على قيد الحياة، لسألته اليوم كيف ينبغي لإسرائيل أن تتصرف حيال الرئيس الاميركي، دونالد ترامب. لا شك عندي أنه سيؤيد تصميما مشتركا مع ترامب لاستراتيجية اقليمية من أجل حل الدولتين، مع رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، رئيس مصر السيسي، والملك عبدالله الأردني ضمن امور أخرى على اساس المبادرة العربية، حيث رحب بالكثير من أجزائها. في التسعينيات وفي السنوات الاخيرة لرئاسته أجرى بيريس اتصالات سرية مع دول ليس لإسرائيل علاقات دبلوماسية معها لصالح تحقيق تفاهم على الجوانب الايجابية في المبادرة العربية. بيريس كان سيتحمس اليوم لانتخاب عمانويل ماكرون لرئاسة فرنسا. فقد أحب فرنسا، وكانت باريس بمثابة بيت ثان له. وقد احتل فرنسا بعصف دبلوماسي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حين اقام المفاعل النووي في «ديمونا» والصناعة الجوية. وادار صداقة عميقة طويلة السنين مع الرئيس فرانسوا ميتران الذي كان واحدا من ثلاثة زعماء اشركهم في سر الاتصالات في «اوسلو» (مع كلينتون ومبارك). لقد قدر بيريس جداً إنجاز اقامة الاتحاد الاوروبي، كتعبير عن السلام الامثل بين فرنسا وألمانيا. اليوم كان سيؤيد التعاون بين الرئيس المنتخب ماكرون وانجيلا ميركل لصالح سياسة خارجية اوروبية من جهة، حيال روسيا، ولصالح مسيرة الدولتين في منطقتنا. لو كان بيريس حياً لصدم بعمق اليوم من قانون القومية، الذي يرى فيه قانونا عنصريا. لقد عمل كل حياته بروح وثيقتين تاريخيتين – الوصايا العشر ووثيقة الاستقلال. في نظره كان قانون القومية يعد صفحة لكليهما: الاختبار في نظره بدولة مع اغلبية يهودية وبالاساس في المعاملة المتساوية مع الاقلية. وهو ينقصنا اليوم جدا. ينقصنا صوته الصافي والمتفائل. ينقصنا حامي حمى للديمقراطية الاسرائيلية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف