مرت خمسون سنة منذ طلب دافيد بن غوريون من وزراء حكومة اشكول أن يسكنوا بسرعة عشرات آلاف اليهود في مناطق القدس «المحررة» – «حتى في أكواخ». في اليوبيل الذي انقضى منذئذ نمت القدس ليس فقط في مساحتها بل أيضا في عدد سكانها. في «يوم القدس»، كل عام، يمسك القائمون على المدينة وزعماء الدولة «المسطرة الديمغرافية» ويفحصون وضع الاغلبية اليهودية – هل هو مستقر، ام ربما صغير؟
أصبح الاعتبار الديمغرافي والرغبة في الحفاظ على الاغلبية اليهودية في حدود القدس الموحدة مع السنين اعتبارا مركزيا في سياسة التنمية والتخطيط للمدينة. والآن يصل الى يد «إسرائيل الاسبوع» معلومات تفيد بان الصورة معقدة بضعة اضعاف بل واحيانا مختلفة دراماتيكيا عن تلك التي كنا نعرفها حتى الآن.
يدور الحديث عن معطيات قد تغير صورة الواقع الديمغرافي كما ينعكس هنا منذ سنين. اثنان من خبراء معهد القدس لبحوث السياسة، ممن لا يوجد اكثر منهما خبرة في ديمغرافيا القدس – د. مايا حوشن (محررة الكتاب الاحصائي السنوي للقدس) والباحث آساف يئير شابيرا – أكدا لنا معظم الحقائق، واضافا غير قليل من المعطيات والمفاهيم، المفاجئة أحيانا، من جهتهما. وها هي المفاهيم التي استخلصناها منهما:
«العرب الشفافون»: في المجالات البلدية للقدس، ولا سيما في الاحياء العربية الشمالية خلف الجدار الامني، يعيش نحو خمسين الف عربي آخرون لم يتم إحصاؤهم حتى اليوم. والمعنى هو أنه بخلاف المعطى الرسمي فان الاغلبية اليهودية في حدود القدس أصغر. فهي لا تبلغ 67 في المئة يهوداً مقابل 37 في المئة عرباً، بل 59 يهوداً مقابل 41 في المئة عرباً.
هذه الزيادة، التي يعرف بها الكثيرون منذ سنوات، تلقت نوعا من الشرعية الرسمية، من الصور الجوية ومن فحوصات اخرى أجرتها في الميدان شركة «جيحون» (مصلحة المياه المقدسية). ففي الاحياء العربية في القدس خلف الجدار يعيش حسب المعطى الرسمي نحو 80 – 90 الف نسمة، اما عمليا فيعيش هناك نحو 130 الف سنة. ويدور الحديث عن مناطق، منذ أن اقيم الجدار الامني، اصبحت نوعا من الارض السائبة حيث يسود الفقر، انعدام القانون، المخدرات، «الارهاب»، الجريمة، والبناء غير القانوني بحجوم كبيرة.
«اليهود الشفافون»: يشير آساف شابيرا ومايا حوشن الى أن في الوسط اليهودي أيضا توجد بضعة آلاف من الطلاب أو تلاميذ المدارس الدينية الأصولية والمتدينين – القوميين ممن يعيشون في المدينة، ولكنهم غير مسجلين فيها كسكان.
النمو العربي ضعف اليهودي: معطيات الكتاب السنوي الاحصائي للقدس، التي سينشرها معهد القدس، تفيد بانه بين السنوات 1967 وحتى 2015 ازداد عدد السكان اليهود في المدينة بـ 174 الف نسمة، ولكن السكان العرب ازدادوا في هذه الفترة الزمنية ضعفين فأكثر، 372 في المئة. وحسب المعطيات الرسمية، يعيش في القدس اليوم 542 الف يهودي (مقارنة بـ 187.700 قبل خمسين سنة) و324 الف عربي (مقارنة بـ 86.600 قبل خمسين سنة).
وتيرة نمو السكان العرب لا تزال أعلى، ولكنها تباطأت. فمنذ عدة سنوات ومعدل خصوبة النساء اليهوديات في القدس أعلى من معدل الخصوبة العامة في اوساط النساء العربيات في المدينة. عدد الاطفال الذين تلدهم اليهودية يبلغ 4.28 مقابل 3.23 فقط لدى المرأة العربية. قبل بضع سنوات كانت النسبة معاكسة. فميول الحداثة، التحولات الغربية، والاسرلة في اوساط عرب شرقي القدس غيرت صورة الوضع.
رغم ان معدل الولادة في أوساط السكان اليهود في العاصمة أعلى من معدل الولادة في السكان العرب، الا ان الأغلبية اليهودية في المدينة بقيت تقل. والسبب هو أن 18 الف يهودي يغادر المدينة كل سنة. في نصف اليوبيل الماضي غادر القدس اكثر من 350 الف يهودي، ودخل اليها أقل بكثير. لو أشير الى أنه فقط نحو نصف المغادرين كانوا سيبقون في المدينة، لكانت الاغلبية اليهودية فيها أكبر بكثير.
لا شقق، التجميد مستمر
السبب المركزي للهجرة الجماعية من القدس على مدى نصف اليوبيل الاخير هو انعدام السكن، او انعدام السكن القابل للتحقق. فعرض الشقق في المدينة قليل، وبناء على ذلك فان اسعار الشقق فيها عال جدا. في القدس يوجد طلب لنحو 5 آلاف شقة في السنة، ولكن على مدى سنوات طويلة لم يبنَ فيها سوى نحو 2.000 في السنة. فقد منعت «المنظمات الخضراء» البناء الواسع في غربي القدس. اما في شرقي القدس فقد كبحت الضغوط الدولية البناء الواسع هناك. وهكذا تكتظ القدس إلى الاعلى، بخلاف طابعها التقليدي.
شدة الضغط الأميركي ومدى «الانثناء» الاسرائيلي واضحان من المقارنة بين البناء لليهود في نطاق «القدس صغيرة» (غربي المدينة)، وبين البناء لليهود في المناطق التي ضمت الى المدينة بعد 1967 (شرقي المدينة) في السنوات الخمس الاخيرة.
وحسب معطيات معهد القدس للبحوث السياسية، فبين الاعوام 2012 و2016 بني لليهود في غربي القدس 6.750 وحدة سكنية بينما بُني في المناطق التي ضمت الى المدينة في 1967 (دون هار حوما – جبل ابو غنيم) 639 شقة فقط. وتعكس المعطيات انخفاضا حادا جدا في بناء الشقق لليهود في الاحياء التي ضمت الى المدينة في 1967، أحياء يسكن فيها اليوم نحو 205 الف يهودي.
بخلاف إعلانات القيادة السياسية ومقربي رئيس الوزراء نتنياهو، فحتى بعد انتخاب ترامب فان البناء والتخطيط في المناطق التي اتسعت اليها المدينة بعد 67، وفي مناطق القدس الموسعة – لا يزال مجمدا: هكذا في «جفعات همتوس»، في «معاليه ادوميم»، وفي قسم من «رمات شلومو». كما أن خطط البناء في «عطروت»، توسيع «هار حوما» وخطة البناء في «شمعون الصديق»، بين غرب القدس وجبل المشارف مجمدة. ففي سنوات اوباما الثماني حتى التخطيط لبناء متجدد تباطأ جدا.
انكشاف السر: التوقع الديمغرافي للعام 2040: المعطى التالي الذي نقل الى بلدية القدس، وسرب لنا من هناك، كان يعتبر سرا دفينا حتى الآن. وباحثو معهد القدس هم ايضا يرفضون الحديث عنها. حسب التوقع الديمغرافي للعام 2040، والذي اعد في اطار الخطة العظمى للمواصلات في القدس ستكون النسبة بين اليهود العرب هذه السنة 56 في المئة يهوداً مقابل 44 في المئة عرباً – 756 الف يهودي مقابل 596 الف عربي. هذا المعطى اكثر تفاؤلا بكثير من التوقعات السوداء التي تحدثت في الماضي عن المساواة بين الفئتين السكانيتين في العام 2035.
اغلبية سكان القدس يعيشون اليوم في شرقي المدينة. بينما في العام 1972 كان 29 في المئة من المقدسيين (عربا او يهودا) فقط يعيشون خلف الخط الاخضر، يعيش اليوم في المناطق التي ضمت الى المدينة في 1967 – 61 في المئة من سكان المدينة. 38 في المئة منهم (نحو 204 آلاف) يهود و62 في المئة منهم (نحو 323 الفاً) من العرب.
معدل الاصوليين لا يرتفع. بخلاف الانطباع السائد فان عدد الاصوليين في القدس لا يرتفع، وهو يبلغ منذ سنين الثلث أو اقل بكثير. معدل الاصوليين في اوساط من ترك القدس هو كمعدلهم بين السكان بل احيانا اعلى. والهجرة الاصولية ذات مغزى اكبر لأن معدل الولادة العالي للنساء الاصوليات أدلى الى خسارة سكان اصوليين بكثرة في المستقبل، والمس بامكانيات اتساع اعدادهم في القدس. حسب معطيات معهد القدس للبحوث فان معدل العلمانيين في القدس يبلغ اليوم 20 في المئة فقط.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف