- تصنيف المقال : بالعبري
- تاريخ المقال : 2017-05-29
هل خرج اليسار السياسي الإسرائيلي عن صوابه؟ هكذا يبدو الحال. بينما يستنكر اليسار والوسط في الولايات المتحدة رئاسة ترامب ويرون فيه، مثلما كتب، هذا الاسبوع، توماس فريدمان في «نيويورك تايمز»، خطراً على جوهر أميركا وعموم قيمها، فإن اليسار الإسرائيلي يعانق ترامب ويحتضنه. ليس لهذا العناق معنى أو مبرر، وهو يشهد على خسوف خطير في الوعي.
ليس صحيحاً أن ترامب هو الرئيس الأميركي الاول الذي يطلق في الشرق الاوسط خطابا صهيونيا؛ فخطابات الرؤساء كلينتون، بوش، وأوباما كانت خطابات صهيونية على نحو واضح. اوباما، الذي شُهّر فيه في البلاد على نهجه المتصالح المزعوم تجاه العرب، تجرأ على أن يلقي في جامعة القاهرة خطاباً كان صهيونياً وفي الوقت ذاته بعيد الأثر في مطالباته من جمهور سامعيه المسلمين: التحول الديمقراطي، تمكين النساء، الغاء التمييز، الاعتراف باسرائيل، الاستثمار في التعليم الحديث وغيرها. وخلافا لهم، لم يطلب ترامب شيئا من مضيفيه العرب، فهو لا تهمه القيم.
من جهة أخرى، فان ترامب هو بالفعل الرئيس الأميركي الاول الذي ألقى في متحف اسرائيل خطابا يعبر عن فكر من مدرسة رئيس الوزراء نتنياهو؛ يتبنى بلا تحفظ رواية بيبي. ما تلاه من اقوال مكتوبة، وكان تعبيرا مناسبا عن فهمه للنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، وكأنها نسخت بلا تعديل تحذيري من صحيفة الرأي اليومية «اسرائيل اليوم». وحتى حسب الاستطلاعات فان نتنياهو هو المنتصر والرابح الأكبر من زيارة ترامب.
غني عن البيان التعمق في مناجاة ترامب، والتي يستخدم فيها في اقصى الاحوال 500 كلمة بسيطة (في «يد واسم» وصف زيارته بكلمة «amazing»)، كي نفهم بانه من ناحيته فان الصفقة المطلوبة بين الاسرائيليين والفلسطينيين هي الصفقة التي يمنح فيها الفلسطينيون الاسرائيليين الحرية لمواصلة السيطرة في «المناطق». منذ بداية ولايته كرئيس، اعطى ترامب يدا حرة لحكومة نتنياهو لبناء وتوسيع المستوطنات «داخل حدودها القائمة» – الحدود التي اسرائيل بالطبع هي التي حددتها بنفسها. فالمستوطنات، حسب ترامب، ليست عائقاً للسلام، بل تدفع السلام إلى الأمام.
في المحادثات في الغرف المغلقة يشرح ترامب لمستمعيه بانه لم يكن للفلسطينيين ابدا «احوال جيدة كتلك التي تحت السيطرة الاسرائيلية». وبالتالي لا داعي لان يشوشوا غقلنا مع دولة خاصة بهم. وفي تلك المحادثات لا يخفي ترامب ايضا نفوره من احتجاجاتهم على الاحتلال، ويصفها بانها «تذمرات لا تنتهي». وفي الوقت الذي بحث فيه بوش، كلينتون، واوباما عن صيغة لحل وسط في القدس، ينقل ترامب بهراء فمه القدس الموسعة الى سيادة يهودية – إسرائيلية الى الابد.
ان الموقف الايجابي الوحيد لترامب من الفلسطينيين اثناء زيارته تلخص بكلمات ثناء قليلة عن شخصية محمود عباس. فقد اعلن ترامب بان «عباس هو رجل طيب قال لي انه يريد السلام». جميل، رائع. وباستثناء هذه الربتة المغرورة على كتف رئيس السلطة الفلسطينية، لم يترك ترامب للفلسطينيين اي بارقة أمل. عائلته، قلبه، وعقله يقودونه نحو التماثل احادي الجانب مع فكر اليمين الاسرائيلي السياسي. بل يقف احيانا ترامب حتى على يمين نتنياهو.
في أفضل الاحوال، وربما من الناحية العملية، ليس لترامب اي خطة لتسوية واقعية للنزاع الاسرائيلي – الفلسطينين، ولا فكرة لديه كيف ينبغي او يمكن أن تبدو مثل هذه التسوية. ولهذا فهو يستخدم كلمات عديمة المضمون «صفقة». في إحدى الحالات لديه بالذات فكرة ما في الموضوع. يمكن أن نلخصه بكلمات «أولا التطبيع، بعد ذلك التسوية»: أولاً علاقات اقتصادية ودبلوماسية شبه كاملة بين السعودية وامارات النفط وبين اسرائيل، وبعد ذلك البحث مع الفلسطينيين. البحث في حكم ذاتي كهذا او ذاك، وليس دولة ذات سيادة. على خلفية هذه الحقائق، عجيبة حتى السخف قصة الغرام الغريبة التي يخوضها اليسار السياسي الاسرائيلي مع ترامب.
لقد أقلع ترامب من الشرق الاوسط مع تنفس للصعداء، وانفعال لمظاهر التشريفات من الملك السعودي سلمان ابن الـ 81 (الذي أصر على تسميته سولمون) وغضب من قلة بث شبكات التلفاز الأميركية من الفنادق التي نزل فيها. تقشعر الابدان، لدرجة اثارة الضحك، من التفكير بأن يكون يحمل أمل «معسكر السلام» الاسرائيلي.
ترامب يضغط على بيبي؟ اسمحوا لي أن اقتبس جواباً عن عدي اشكنازي: ما هذه الترهات؟