- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2017-06-05
عندما تقترب في ساعات معينة من معبر ايرز، تكون عرضة لموجات من الروائح الكريهة الصادرة عن القطاع. فالمجاري تغرق غزة وتضخ الى البحر بكميات هائلة. هذا القرف يرمز أكثر من أي شيء آخر الى الموقف الاسرائيلي من غزة: لا توجد سياسة، لا توجد تفاهمات، لا توجد مخططات للمستقبل، باستثناء مخططات الحرب. الامر الاساس الوحيد الذي تفعله اسرائيل تجاه غزة هو أن تطلق النار على ساقها المرة تلو الاخرى.
رائحة المجاري هي ايضا رائحة الموت. فوفقا لتقارير الامم المتحدة التي اقتبست في تقرير مراقب الدولة في ايار في هذا العام، فان السبب الاول لوفيات الاطفال في غزة هو جودة المياه المتردية. 26 في المئة من الامراض في القطاع، ولا سيما أمراض الاطفال تنبع من المياه العادمة الملوثة التي تتسلل الى خزانات المياه، الشواطيء والجداول – وليس فقط في القطاع بل وفي شواطيء اسرائيل المجاورة ايضا.
كل شيء يبدأ بالكهرباء: خمس محطات تطهير للمياه العادمة في غزة، والتي هي مستهلكات كهرباء ثقيلة جدا، لا تؤدي مهامها. فلا توجد كهرباء كافية. في رام الله يدعون: ليس لدينا المال، ولتدفع حماس نصيبها من الكهرباء؛ فهي تجبي 100 مليون شيكل من الضرائب، بما في ذلك على الوقود التي تصل الى القطاع. اسرائيل تقول: أينبغي لي أن أتدخل في علاقات حماس والسلطة؟ لا يوجد مال، لا يوجد كهرباء.
كل شهر تنقل اسرائيل الى السلطة أموال الضرائب التي جبتها على نشاطاتها الاقتصادية في موانيء ومناطق اسرائيل. من هذه الاموال يقتطع نحو 550 مليون شيكل كلفة الكهرباء التي توردها شركة الكهرباء الى القطاع كل شهر. قبل نحو شهرين أعلنت السلطة بانه بسبب وضعها الاقتصادي، فانها تقتطع 40 مليون شيكل من كلفة الكهرباء للقطاع. اسرائيل غير مستعدة ان تمول هذا من جيبها، وفي وزارة الدفاع تقرر تقليص توريد الكهرباء الى القطاع بما يتناسب مع ذلك بنحو 15 في المئة. وفي هذه الاثناء لم تخفض اسرائيل سوى توتر الكهرباء. وعلى اي حال فانهم في قطاع غزة لا يتمتعون الان الا باربع ساعات كهرباء متواصلة في اليوم، وبعدها ساعات طويلة، غير ثابتة، من انقطاعات الكهرباء.
محطات التطهير لا تؤدي مهامها. محطة تطهير المياه العادمة الاكبر والاكثر حداثة التي اقامها البنوك الدولي في شمال القطاع في 2013 لم تشغل حتى الان لعدم وجود الكهرباء، ووزير الدفاع ليبرمان يقول لحماس: كفوا عن حفر الانفاق وستحصلون على كل شيء – كهرباء، ميناء وما شابه. يبدو منطقيا. ولكن بالضبط هكذا تغسل لنا حكومات اسرائيل العقل على مدى السنين بمتناقضات تستهدف الابقاء على الوضع الراهن وخدمة المصالح السياسية الحزبية.
تقرير المراقب الاخير، الذي يعنى بالموبئات البيئية التي تتجاوز الحدود كشف النقاب عن انه في كانون الثاني 2016 لحق ضرر بمحطة توليد الطاقة روتنبروغ في عسقلان بسبب تلوث المياه بالنفايات العضوية. وأسوأ من ذلك: المنشأة في شاطيء عسقلان، التي توفر 20 في المئة من المياه المحلاة لدولة اسرائيل، تعطلت لاكثر من يوم بسبب تلوث عضوي متطرف في مياه البحر. ويدور الحديث عن ضرر بعشرات ملايين الشواكل.
نظام التيار في البحر المتوسط هو من الجنوب – غربا، الى الشمال – شرقا. هكذا بحيث أنه لا شك أن تلوث مياه البحر في القطاع سيصل الى شواطيء اسرائيل. لعل وفيات الاطفال في غزة لا تشغل هنا بال أحد، ولكن اضرار جسيمة لاسرائيل – بما في ذلك امكانية النقص في المياه المعالجة – هي شأن الدولة جدا. اذا لم تعالج اسرائيل ذلك، فانها تطلق النار على ساقها.
ثمة في اسرائيل من يؤمنون بان النقص في الميزانيات وفي البنى التحتية سيشجع المواطن في غزة على الثورة ضد حماس، ولكن الى أن يحصل هذا، فاننا نلحق بانفسنا اضرارا لا مرد لها. فقد كتب المراقب يقول: "النفايات غير المعالجة تتسبب بتلوث مياه البحر، الجداول والمياه الجوفية في مناطق اسرائيل المحاذية لقطاع غزة. وكذا ايضا المخاطر الامنية والصحية لاسرائيل في حالة انتشار الامراض عقب تلوث المياه في القطاع". مشكوك أن يكون أحد ما في وزارة الدفاع قرأ هذه الفقرة.
اذا لم يكن كهرباء في تموز – آب فعلى من سيتفجر السكان في القطاع: على حماس، السلطة أم اسرائيل؟ الجواب واضح. وكم عشرات الملايين ستدفع اسرائيل كي تواجه آثار تلوث مياه البحر، الذي سيتعاظم فقط؟ هذا هو اختبار وزير الدفاع: إما الشعارات أو "الواقعية السياسية"؟
اطلس للدراساات
اطلس للدراساات