- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2017-06-05
مع غياب شمس الرابع من حزيران من هذا العام يطوي الزمن سنة جديدة على رحيل الشهيد القائد والمعلم الرمز عمر القاسم عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الذي غيبه الموت في سجون الاحتلال عام 1988 بعد صراع مع المرض المسكون في جسده المقيد بواحد وعشرون عاما من الاعتقال، عاشها بطلا ومعلما وقائدا وانسانا وقبل كل ذلك لحزبه وشعبه ووطنه ولكل اخوته ورفاقه ولمناضلي الحرية في العالم. رمزاً وطنياً كبيراً لقد استحق عمر القاسم وسام التميز في مسيرته الكفاحية، مما جعله محط احترام للأعداء قبل الاصدقاء، فقد دخل القاسم حدود الوطن عام 1968 متجها نحو الوطن باعتباره ساحة المواجهة الرئيسية وكان قائدا عسكريا متميزا في صفوف الثورة الفلسطينية ومثقفا وطنيا يحمل الشهادة الجامعية الاولى في اللغة الانجليزية.
جاء عمر القاسم مقاتلا الى فلسطين ليعزز نهج المقاومة من الوطن باعتباره الحلقة المركزية في النضال، لقد تميز عمر القاسم بكل شيء حتى بجسده العملاق وبفلسفة المواجهة مع السجان وبإدارته للوقت، حيث كان دوما عدوا للفراغ الذي يشكل الخطر الاول والاكبر للأسرى، لقد كان وجوده داخل السجن منارة كبيرة يستأنس بها كل العابرين الى زنازين السجون ومعاناتها، لقد تمنى الجميع ان يذهبوا للسجن الذي يعيش به القاسم ولا ابالغ حينما اقول ان البعض من المعتقلين وانا واحد منهم تمنى المرض للذهاب الى سجن الرملة حيث كان عمر معزولا لسنوات في منتصف الثمانينات، فقد كان مدرسة في سلوكه واخلاقه ورجولة مواقفه، وقد كان حديث كل العابرين والقادمين من سجن الرملة الى كافة السجون، وكنا نستمع لساعات من كل المعتقلين على اختلاف انتماءهم السياسي والفكري عن صفات ومواقف ابا القاسم، فقد كان مدرسة سلوكية تعكس وعيا قياديا شاملا. هناك العديد من المواقف المفصلية التي انحاز بها عمر للمواقف العامة رغم انها كانت الحد الفاصل بين الموت والحياة وبين التحرر والاستمرار بالأسر بالنسبة له، ولعل من الشواهد العظيمة سلوكه الذي تجسد يوم عملية التبادل التي تمت عام 1985 وخرج بها كل رفاق واخوة عمر القاسم تقريبا من السجن، ولم يكن اسمه من بين هؤلاء فد عكس الشخصية القيادية لعمر القاسم الذي حمل قلما وبدأ بكتابة رسالة لأحمد جبريل يشيد بها بعملية التبادل، وقام بتوديع المحررين بابتسامته المألوفة رغم حالة الغبن التاريخية له في هذه العملية التي لم يدرج بها اسمه وكانت فعلا الحد الفاصل بين الحياة والموت.
هذا التصرف الشجاع لا يقل شيئا عن شجاعته يوم خاطب رفاقه في معالوت - ترشيحا بالتصرف وفقا للتعليمات الصادرة عن قيادتهم، ان عدم تحرر القاسم من السجن في عمليات التبادل ورغم كل ما كان له من مردود سلبي على عمر وغصه في قلب كل من بقي معه من الاسرى القدامى، الا ان وجوده قد عبأ حالة الفراغ التي تركها تحرر اكثر من الف اسير في عملية التبادل عام 1985 واستمر عمر في اداء دوره الوطني بالأساس لتربية اجيال جديدة قادرة على حمل الراية نحو هدف الدولة وتقرير المصير وعودة اللاجئين واستشهد عمر وهو في طريقه نحو تحقيق هذه الاهداف.
في ذكرى مرور 29 عاما على استشهاده في السجن لا بد من الاشارة الى ان عدم اطلاق سراحه هي مسؤولية يتحملها الاحتلال الاسرائيلي اولا كما تتحمل القيادة الفلسطينية التي تركت قائدا بهذا الحجم اسيرا لكل هذه السنوات رغم توفر العديد من الفرص لإطلاق سراحه وتحديدا في عملية التبادل عام 1985 وحينما كان الجندي الدرزي سمير اسعد اسيرا لدى المنظمة التي ينتمي لها القاسم.
إن عمر القاسم لم يعكس سلوكه اليومي على مدار واحد وعشرون عاما من الاعتقال اية دلاله على كونه قائدا لفصيل بعينه بل كان دوما صمام امان للوحدة الوطنية واخا ورفيقا وابا للأسرى على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، الامر الذي جعله يستحق احترام الجميع داخل السجن وخارجه وهذا ما تجسد يوم تشيع جنازته حينما خرجت جماهير شعبنا في كافة انحاء الوطن وتحديدا في مدينة القدس التي تحررت بهذا اليوم تحت قيادة جسده المحمول وروحه التي تتقدم الالاف نحو تجسيد القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المنشودة، لقد كان هذا اليوم المشهود مشابه تماما لما حدث بالقدس يوم استشهاد القائد الرمز ابو جهاد وتكرر يوم استشهاد القائد فيصل الحسيني.
إن هذا الاستفتاء الشعبي يدلل على اهمية هؤلاء القادة ومدى الوفاء لهم ويشكل دعوة جماهيرية الى تجسيد مسيرتهم لتمتد في روح وقلب الاجيال القادمة، وفي هذا اليوم الذي تعود الجميع على ذكر كل ما هو ايجابي لهذا القائد ينبغي لنا ايضا ان نرفع الصوت عاليا ونقول انه من المخجل حقا ان لا نجد لعمر القاسم وامثاله ما يشير الى مسيرة هذا القائد الفذ والاستثنائي، وليس سرا اقول ان قبر عمر القاسم في القدس هو ما تبقى له من رمزية في ثنايا وجنبات هذا الوطن، لقد ظلم القاسم بتركه اسيرا لواحد وعشرون عاما، فهل يعقل ان يهمل وان يتكرر ظلمه بتغييب اسمه ورسمه عن ساحات وميادين فلسطين التي عاش واستشهد من اجلها عمر القاسم.
ان القاسم ليس اقل من كل الفنانين والشعراء والشهداء والاغنياء الذين تزينت اسماءهم في معالم الوطن ليبقوا خالدين فيه، ان مسيرة القاسم ستبقى خالده في وعي كل الوطنين والمخلصين ويجب ان يتزين اسمه على شوارع وساحات ومدارس الدولة الفلسطينية المنشودة لتبقى مسيرته وتجربته ماثلة وملهمة لأجيال قادمة، تجربة القاسم ومسيرته تستحق التخليد شانه شأن كل العظماء من ابناء شعبنا، فعلى كل المعنيين في منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية والمجالس البلدية "ووزارة الاسرى ونادي الأسير بشكل خاص" ان يستجيبوا لهذا النداء بإطلاق اسم عمر القاسم على معلم هام من معالم وطننا لعلنا نستطيع ان نمسح جزءا من قصورنا في تركه اسيرا يصارع السجان والمرض ليتحرر شهيدا بعد كل هذه السنوات الطويلة من الاعتقال. علينا ان نكرم كل امثال القاسم وان نتعلم من تجارب الاخرين الذين يخلدوا تجربة العظماء باعتبارها ملكا للشعب وللتاريخ والمستقبل، فاذا كان عمر القاسم مانديلا فلسطين فعليا فلنتعلم من جنوب افريقيا كيف تجسد الوفاء لمانديلا سابقا وحاضرا ومستقبلا.