قد تكون للأزمة الحادة بين قطر والسعودية انعكاسات على ساحة أخرى قريبة من إسرائيل، هي قطاع غزة. ففي السنوات الأخيرة شكلت قطر إحدى الدعائم الأخيرة التي استند إليها نظام «حماس» في القطاع. فقد اضطربت العلاقات بين «حماس» ومصر بعد الانقلاب العسكري في صيف 2013 الذي أعاد الجنرالات إلى الحكم في القاهرة، وقلّصت إيران دعمها المالي لـ»حماس» (الذي تجدد جزئياً في الفترة الأخيرة) جرّاء الخلاف السني - الشيعي حيال الحرب الأهلية في سورية، كما قلّ الاهتمام التركي بغزة بعد اتفاق المصالحة مع إسرائيل بسبب الأزمات الأخيرة التي غرق فيها الرئيس أردوغان في الداخل والخارج. واصلت الإمارة الخليجية الصغيرة والغنية تقديم مساعداتها الاقتصادية إلى «حماس»، ووقفت أكثر من مرة إلى جانبها لحل مشكلة النقص المؤقت للحركة في الموارد. ويمكن افتراض أن موفداً قطرياً يمثل شؤون بلاده في «المناطق» استخدم أيضاً كوسيط غير رسمي بين «حماس» وإسرائيل والسلطة في عدة مسائل، من ترتيبات غير مباشرة لإعادة إعمار القطاع بعد عملية «الجرف الصامد» وصولاً إلى جس النبض بشأن صفقات أسرى ومفقودين. وفي هذه الأثناء استضافت قطر ليس فقط خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لـ»حماس» المنتهية ولايته، بل أيضاً كبار مسؤولي الذراع العسكرية للحركة برئاسة صالح العاروري. العاروري، الذي طردته إسرائيل منذ 7 سنوات من الضفة الغربية، وصل في الفترة الأخيرة من تركيا إلى قطر بعد طرده من هناك بضغط أميركي. ومن قطر وقبلها من تركيا، واصل العاروري توجيه النشاطات في منطقة الضفة، وكذلك توجيه جهاز»حماس» في الخارج الذي حوّل إلى الضفة أموالاً وأوامر للقيام بهجمات ضد إسرائيل. وبضغط أميركي وسعودي، أبلغت قطر، بداية هذا الأسبوع، العاروري ومجموعة النشطاء التابعين له بأن عليهم مغادرة الدولة بسرعة. لكن هذه الخطوة لم ترض السعوديين، الذين انتقلوا إلى فرض حظر شامل على الإمارة، وجروا معهم مصر والسودان وجزءاً من دول الخليج. يعود الغضب على قطر إلى استمرار مغازلتها المعسكرات المعادية للسعودية، ومن بينها حركة الإخوان المسلمين (السنية)، وإلى حد ما إيران. بالنسبة إلى مصر والسعودية، إيران هي مصدر خطر حقيقي. والعدائية التي تتعامل بها القاهرة مع «حماس» تنبع أيضاً من كونها تابعة للحركة الأم، أي حركة الإخوان المسلمين في مصر. والذي أثار غضب مصر والسعودية والسلطة الفلسطينية هو التصريح المسرّب المنسوب إلى أمير قطر، والذي جاء فيه أن «الإخوان المسلمين» (أي «حماس»)، هم الممثلون الشرعيون للشعب الفلسطيني. فاجأت الأزمة السعودية - القطرية أغلبية أجهزة الاستخبارات في الغرب، وأمام الخبراء الأميركيين مهمة لا يحسدون عليها، وهي اضطرارهم لشرح الواقع المعقد هذا للرئيس دونالد ترامب. وتسمع حالياً تقديرات تقول إن قطر، التي لم تتوقع على ما يبدو رد الفعل السعودي القوي ضدها، ستضطر إلى التراجع على الأقل بصورة جزئية بسبب الضغط الذي يمارس عليها. وهذا من شأنه أن يؤثر على العلاقة مع «حماس». قبل أيام توجه يحيى السنوار، رئيس الحركة في غزة، ومسؤولون آخرون كبار إلى مصر لإجراء محادثات كان من المفترض أن يذهبوا من بعدها إلى قطر، لكن الأزمة القطرية فاجأتهم وهم في القاهرة التي أوقفت رحلاتها الجوية إلى الدوحة. لكن هذه هي أبسط المشكلات، إذ سوف يتعين على السنوار ومشعل وإسماعيل هنية درس خطواتهم في حال قررت مصر والسلطة الفلسطينية زيادة ضغوطهما على القطاع. وبخلاف التوقعات الغزاوية، نادراً ما تفتح القاهرة معبر رفح أمام الحركة من القطاع وإليه. في هذه الأثناء، يشدد محمود عباس الحصار الاقتصادي على القطاع من خلال قرار تقليص الدعم الاقتصادي لموظفي السلطة الموجودين في غزة، وللأسرى والمحررين والمبعدين في صفقة شاليت، بالإضافة إلى خفض المبالغ التي تدفعها السلطة لإسرائيل لقاء إدخال الوقود إلى محطة توليد الطاقة [في غزة] ولقاء الخط الذي يزود القطاع بالكهرباء. ومن الصعب جداً بالنسبة إلى حكومة نتنياهو أن توافق على دفع المبالغ لقاء الكهرباء بدلاً من السلطة، لأن ذلك سيُعتبر تنازلاً لـ «حماس». في ذروة شهر الصوم في رمضان، انخفض تزويد غزة بالكهرباء إلى 4 ساعات في اليوم في أحسن الأحوال، بينما جزء كبير من المواطنين ومن المؤسسات العامة تعتمد بصورة جزئية على المولدات. ويزيد تقنين الكهرباء من أزمة مياه الشرب، ويتسبب بصعوبات في معالجة مياه الصرف الصحي مما يفاقم تلوث شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ويمكن أن يكون لذلك انعكاسات على وضع الشواطئ في جنوب إسرائيل. على ما يبدو، وفي ظل الأزمات التي تمر بها «حماس»، فإن قرار السعي إلى تصعيد عسكري في مواجهة إسرائيل سيكون حماقة مطلقة من جانبها. والسؤال هو: هل السنوار، الرجل القوي اليوم في غزة، وشريكه في الذراع العسكرية، محمد ضيف، يفكران بالضرورة بمصطلحات مشابهة لتلك التي يفكر فيها الجانب الإسرائيلي؟ لقد تبلورت طريقة تفكير السنوار خلال أكثر من عشرين عاماً قضاها في السجن الإسرائيلي حتى إطلاق سراحه في صفقة شاليت. ومعرفته بالمجتمع الإسرائيلي واسعة وعميقة (قال لي أحد كبار المسؤولين في «الشاباك» إن السنوار يفهم اليهودية أكثر مني ومنك)، مع ذلك هناك الكراهية الأيديولوجية العميقة والإيمان الكبير بأسلوب الكفاح العسكري. إن تفاقم الأزمة في غزة يقلق القيادة الأمنية الإسرائيلية، وأدى ذلك في الأسابيع الأخيرة إلى اهتمام أوسع باحتمالات نشوب جولة قتال إضافية في الصيف المقبل، بعد ثلاث سنوات من عملية «الجرف الصامد» وفي ظروف مشابهة تماماً. لا يزال من الممكن الحؤول دون حدوث مواجهة، لكن «حماس» بدأت تلعب بالنار. ففي الأسابيع الأخيرة شجعت الحركة تظاهرات بعضها عنيف، قام بها السكان بالقرب من السياج الحدودي مع إسرائيل بعد أشهر طويلة من منع مثل هذه التحركات بشدة. وقُتل، أمس، شاب فلسطيني بنيران الجيش الإسرائيلي في جنوب قطاع غزة، جراء إحراق إطارات قام به عشرات الفلسطينيين بالقرب من السياج.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف