من قلبه حزين وعالمه خرب، استمد الشجاعة هذا الأسبوع من الشماتة بإمارة قطر. كثيرون منا فعلوا هذا، بعضهم يجلس حول طاولة الحكومة. فقرار السعودية قطع العلاقات مع قطر سحب وراءه ثلث دول الجامعة العربية ووقع على الدوحة بقوة شديدة. وعبّرت أصوات الفرح التي صدرت عن القدس عن الثناء والشكر للسعودية على الضربة التي أحدثتها لجارتها الاستفزازية، ولكن هذه الأصوات كانت سابقة لأوانها. فمن شأن هذه الجرة أن تنقلب رأساً على عقب. علينا أيضاً.
عدد سكان قطر أدنى من عدد سكان حيفا. ولكن في العقد الأخير، ثبتت الإمارة نفسها جيدا في دور الابنة العاقة للعالم العربي. وهي لم تخترع شيئا. كل شيء تعلمته من جارتها السعودية. وإحدى عاداتها هي تطوير علاقات ود مع المتطرفين. تنظيم القاعدة في سورية، مثلا، يتمتع لسنوات من أموال الغاز القطري. ليس لغرض ثنائية الوجه تفعل كل هذا، بل انطلاقا من فهم فئران القرية. فإذا تصادقت مع أزعر الحارة، ولا سيما إذا دعمته مالياً، تتحسن فرصك بألا يعمل ضدك. والتسكع مع منظمات الجهاد هو بوليصة تأمين من شرهم.
قلة يعرفون ماذا كان الفتيل الذي تسبب للسعودية بأن تعربد. فالمقت المتبادل، الشخصي، بينها وبين جارتها الصغيرة معروف. وقد تفاقم في عصر الشباب. قطر يقودها منذ أربع سنوات الشيخ تميم بن حمد، ابن الـ 37. ومع أنه يقف على رأس المملكة السعودية الملك سلمان ولكن من يديرها عملياً هو محمد، عصبي ابن 32. شيء ما حصل بينهما في الأسابيع الأخيرة أشعل حرب القبائل.
قطر هي الداعمة الأكبر لـ"حماس". هناك يسكن خالد مشعل، وعصبة معتبرة من رجال المكتب السياسي، إلى جانب قدامى الذراع العسكري. في إسرائيل فرحوا ليس فقط بسبب الضائقة التي وقعت على قطر بل أساس بسبب الآثار على "حماس". بعض من رجال الحركة ممن يسكنون في قطر اضطروا لتركها هذا الأسبوع وان يجدوا لأنفسهم عاصمة أخرى. احد منهم لم يطرد. بإحساساتهم الحادة فهم رجال مشعل، بأن أمهم التي تبنتهم تختنق تحت ضغط شديد فحزموا أمتعتهم بمبادرتهم. سافروا إلى ماليزيا، إلى لبنان وإلى غزة. إذن هناك أخيار وهناك أشرار، والأشرار أكلوها.
رصاصة في الساق
حسناً، أين المشكلة؟ المشكلة هي أن العالم العربي الذي كل شيء فيه أسود وأبيض يغشي العين ومن شأنه أن يفاجئ. كهذه يمكن أن تكون المفاجأة التي أعدتها قطر للسعودية، وفي الواقع لنا جميعنا، في حالة تفاقم الأزمة. في يوم الاثنين مع الفجر، بعد أن قطعت السعودية وملحقاتها العربيات العلاقات معها، فهمت قطر إلى أي مشكلة علقت. فالجارات السُنيات – السعودية، اتحاد الإمارات والبحرين فرضت عليها الحصار في واقع الأمر. فقد سدت المطارات، الموانئ وطرقها البرية في وجه كل طائرة، شاحنة أو سفينة قطرية، وأغلقت معظم أبوابها إلى العالم. ولم يتركوا في يدها بديل غير التوجه إلى إيران. فقد توجهت قطر إلى معارفها في طهران، وهؤلاء ردوا ببشاشة. اتفق بينهم على أن إرساليات العتاد، الغذاء والمؤن تهبط في مطارات وموانئ ايران ومنها الى الدوحة.
أما السعودية التي اتصل زعماؤها هذا الأسبوع بكل زعيم عربي وطالبوه بأن يعلن فورا عن قطع العلاقات مع قطر، من شأنها أن تكتشف بأنه كان في كل الخطوة مجرد رصاصة في الساق. فقطر ليست عدوا خالدا للرياض وهي بالإجمال ابنة عاقة. رغم أنها تبدي استقلالا سياسيا وترفض إطاعة كل نزوة سعودية، ففي معظم المسائل الهامة عملت الدولتان معا. على رأسها الحرب في سورية، حيث سكبتا المليارات لتمويل الفصائل التي تكافح ضد نظام دمشق. إذا ضغطت السعودية اكثر مما ينبغي، وأضرت اقتصاد جارتها وحرمتها من الأكسحين، لن يكون للقطريين مفر غير الوقوع في أذرع ايران.
قطر، بخلاف كل شقيقاتها، لا تفزع من الجمهورية الإسلامية. فهي تتقاسم معها نجاح بئر غاز هائل في مياه الخليج. وتقيم معها علاقات تجارية جارية. وستكون هذه سقطة بالنسبة للسعودية إذا ما حصل بعد عشر سنوات فأكثر من الصراعات والحروب في محاولة لإسقاط الأسد ستسقط عاصمة عربية ثانية وهامة مثل الدوحة في أذرع المعسكر الشيعي.
كيف يرتبط كل هذا بنا؟ قطر ستواصل دعم قادة "حماس" مثلما كانت تفعل على مدى السنين. ولكن إذا ما دفعت باتجاه ايران، فستكون جيدة احتمالات أن تدفع "حماس" هي الأخرى إلى هناك.. إن هتافات الفرح من القدس من شأنها أن تُستبدل ببكاء من النوع المعروف. من يحتاج إلى هذا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف