هل دفعت دولة اسرائيل مخصصات اولاد لعائلة يغئال عمير؟ هل ستدفع مخصصات الشيخوخة لإيهود ياتوم الذي قتل بيديه خاطفي حافلة الركاب 300؟ هل تدفع مخصصات الشيخوخة لموشيه زار، الذي كان سائق للخلية التي زرعت في 1980 العبوة الناسفة التي تسببت بقطع ساقي بسام الشكعة، رئيس بلدية نابلس؟
هذه مجرد عينات على يهود كانوا ضالعين في عمليات ارهابية وقتلوا اسرى. وهناك المزيد. الجواب على السؤال واضح: هؤلاء الناس ومنفذي العمليات الارهابية يتلقون المخصصات الاجتماعية. وهذا جيد، لأنه في النظام الصحيح يجب الفصل بين الواجبات والحقوق. من خرق القانون يجب معاقبته، ولكن لا يمكن حرمانه من حقوقه الاجتماعية، وإلا ستحتفل الأدغال. فالمجرمين ايضا يحق لهم العيش بكرامة انسانية، وكم بالحري حين يجري الحديث عن اولاد وابناء عائلات المجرمين. انه يستحقون المساعدة الاجتماعية من دون اي علاقة بما فعله اقرباءهم.
لكن هذا المبدأ الاساسي يخرقه رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، الذي يطمح، حسب ما يدعي، للمساعدة على تحقيق السلام في الشرق الاوسط – لكنه في الوقت نفسه يطالب محمود عباس بالتوقف عن تحويل المدفوعات لعائلات الأسرى الفلسطينيين، وبذلك فهو يحكم على عشرات آلاف الناس – ومن بينهم الكثير من الأولاد – بالفقر بل حتى الجوع، فيشكلون، عاجلا ام آجلا، وقودا لانتفاضة عنف اخرى.
من المفروض برجال الجهاز الأمني بالذات، الملمين بما يحدث في المناطق المحتلة، الصراخ ضد هذا الهراء الكارثي. عيلهم القول للأمريكيين: ليس هكذا يبنى السلام، بل هكذا يتم شق الطريق للانتفاضة القادمة. الناس يتوجهون نحو العنف بسبب اوضاعهم السيئة، وليس حين تكون اوضاعهم جيدة. هذه بديهية. احد الشعراء العرب قال: "القاه في اليم مكتوفا ثم قال إياك أن تبتل بالماء". الاحتلال هو اليم، وللدقة انه المستنقع الذي يُولّد اليأس والاكتئاب والعنف. لو لم يكن اليم/مستنقع الاحتلال قائما، لما كان هناك اسرى امنيين.
فما الذي يتوقعونه من فتى ولد بين الجدران ووراء الحواجز، ومن ثم يحرمونه من لقمة العيش؟ الاحتلال يرسم لهذا الفتى مستقبلا تعيسا، تهدد كآبته المحتلين ومواطني اسرائيل. وبعد ذلك يشيحون بأبصارهم ويستهجنون سبب تحريض الفلسطينيين ضد اليهود. حقا! هل صادف هذا الولد ذات مرة يهوديا مثل الكاتب دافيد غروسمان؟ هل تتوقعون من فتى يهجمون على غرفته في منتصف الليل بأن يغني "احضرنا السلام لكم؟"
في المقابل يجب القول انه يجب على الفلسطينيين محاربة كل علامة على نشر الكراهية على أساس عنصري، ومهاجمة اليهود اينما كانوا. فهذا هو ايضا الضمان لمجتمع سليم، لأن التحريض العنصري ينعكس، عاجلا ام آجلا، على المجتمع الذي تخرج منه العنصرية. ولذلك كان سيسرني جدا لو ان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كان سيطلب من عباس مقاطعة كتاب باسم "المرئي والمخفي في يهود المنطقة" الذي كتبه بروفيسور فلسطيني ما، مظلم، يصف فيه اليهود بأنهم طفيليات ويطالب بزجهم في معسكرات اعتقال. إلى أي منحدر اخلاقي وصل الفلسطينيون؟ ليس فقط ان عباس يملأ فمه بالماء، بل ان وسائل الاعلام أشارت الى مشاركة 400 عضو من اللجنة المركزية لحركة فتح في حفل لإطلاق الكتاب، الى جانب مسؤولين كبار من السلطة وفتح. (لا وجود لكتاب فلسطيني كهذا، والكاتب يقصد هنا الكتاب العبري الذي صدر بهذه الروح ضد العرب، ويحمل عنوان "المرئي والمخفي في عرب اسرائيل" وفيه ينعتهم بالأوصاف التي يشير اليها الكاتب هنا. كما يلمح الى حضور 400 عضو من حزب الليكود وعدد من الوزراء والنواب لحفل إطلاق الكتاب المعادي للعرب – المترجم).
ولنرجع الى الموضوع الذي بدأنا فيه. يتضح لكل من يتعقب الأرانب التي يستلها نتنياهو من قبعته كلما بدرت امكانية لاستئناف الحوار مع الفلسطينيين، انه يتصرف وفقا للطرق المعروفة في الجيش – هناك يعدون بنك اهداف يستلونها حين يلح امر. ونتنياهو، من جانبه، يملك بنك ذرائع تهدف الى افشال كل جهد سياسي. مرة التحريض الفلسطيني، مرة الاعتراف بالدولة اليهودية، ومرة الادعاء بأن إخلاء المستوطنات يشبه التطهير العرقي. بعد شحوب لون أرنب المخصصات، من المناسب بدء الاستعداد لظهور الأرنب القادم.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف