- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2017-06-24
يُعتبر البروفسور أرنون سوفير، أستاذ قسم الجغرافيا في جامعة حيفا، وسيرجيو ديللا فرغولا رئيس قسم الجغرافيا والإحصاء لليهود في الجامعة العبريّة في القدس من أوائل وأفعل المحاربين على الجانب الديمغرافي ضدّ فلسطينيي الداخل. وقد صدر عن وزارة الأمن الإسرائيليّة كتاب جديد “قضايا في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط”، لمؤلفه سوفير.
وعلى الرغم من أنّ عنوان الكتاب يُوحي لأوّل وهلةٍ أنّه يتناول الجغرافيا السياسية للمنطقة من خلال عرض أكاديميّ خالص ومُحايد، إلّا أنّه يحاول من مُقدّمته إلى آخر صفحة فيه أنْ يقدم مسوغات لدعم أيدلوجيا اليمين الصهيوني المتطّرف التي تؤكد أنّ البون الحضاري الشاسع بين العالم العربيّ الذي يمثل “التخلف والدونية”، وإسرائيل التي تمثل “الحضارة” الغربية، لا يسمح البدء بالتوصّل لتسويةٍ بين الطرفين.
وأهمية الكتاب على الرغم من حججه الواهية والمتداعية، تتمثل ليس فقط في تبنّي وزارة الأمن الإسرائيليّة إصداره، بل إنّ هذا الكتاب تمّ إعداده بعد الاتفاق بين سوفير ووزارة الأمن ليكون مرشدًا لقيادة الأجهزة الأمنية والإستخبارية والمراكز المسؤولة عن تقديم التقديرات الإستراتيجيّة في المؤسسة العسكريّة الإسرائيليّة حول العالم العربيّ.
وتحت عنوان (دولة تل أبيب تهديد لإسرائيل) كتب البروفيسور سوفير يقول: إنّ إسرائيل ستُواجه خلال الـ 15 عامًا المقبلة مخاطر انهيار داخليّ مريع يتهددها أكثر من القنبلة النوويّة الإيرانيّة والجيوش العربيّة مجتمعةً، ويتجلّى ذلك في فقدان السيطرة على أطرافها وفي إطار اختزال تمركز ذاتها في دولة تل أبيب، على حدّ وصفه.
وتحت عنوان “دولة تل أبيب تهديد لإسرائيل” تستعرض الدراسة الأكاديميّة الصادرة عن جامعة حيفا ما سمته مخاطر السياسات الخاطئة وعوامل الانهيار الذاتيّ.
وأشارت الدراسة إلى الظاهرة الكونيّة الراهنة المتمثلة بازدياد حجم المدن الكبرى وتعاظمها ديموغرافيًا واقتصاديًا على حساب الأطراف، جرّاء الهجرة لها وتركيز الموارد العامّة فيها.
ويشير سوفير لخصوصية الحالة في إسرائيل وخطورتها، نظرًا لكون سكان مركزها، تل أبيب ومحيطها، من اليهود، بينما يتركز فلسطينيو الداخل في أطرافها.
ويوضح أنّ الدولة العبريّة تتقلّص يومًا بعد يوم وتنحصر في منطقة تل أبيب، حيث تتركّز الموارد الجوهريّة المختلفة ويتزايد عدد اليهود فيها، بينما يستمر ضعف “الأطراف اليهوديّة” نتيجة التمييز في الخدمات والفرص، والاحتكاك المتواصل مع فلسطينيي الداخل.
ويستعرض الباحث استئثار مركز البلاد الذي يسميه “دولة تل أبيب” بالموارد والقدرات المرتبطة بالمال والعمل والتربية والصحافة والثقافة، مقابل ضعف الضواحي.
ويضيف قائلاً: تتسّع الهوّة في مستوى المعيشة بينهما باستمرار، حيث يتمتع سكان تل أبيب بثقافة كونية غنية بجودة حياة عالية، وينغمسون بملذاتها وسط لا مبالاة لما يجري في الأطراف.
علاوة على ذلك، تُوجّه الدراسة انتقاداتٍ لاذعةٍ للصحافة الإسرائيليّة لتقوقعها في دولة تل أبيب وتغطية شؤون حياة الأغنياء وإهمال الأطراف وتشكيل رؤية مشوهة للواقع الإسرائيليّ.
ويؤكّد البروفيسور سوفير أنّه إذا استمرت هذه الحالة ستطبق إسرائيل بيديها قرار التقسيم من العام 1947، وستختزل وجودها في شريطٍ ساحليٍّ يمتد من حيفا إلى عسقلان مرورًا بتل أبيب بالوسط، حيث إنّ استمرار انطواء اليهود في لب الدولة (تل أبيب) يعني تهديدًا مباشرًا لها وتعريضًا للمشروع الصهيونيّ برمته لفوضى رهيبة، لأنّ إسرائيل لن تقوى عندئذ على الحياة زمنًا طويلاً والعام 2020 تقريبًا هو البداية.
ورأت الدراسة أيضًا أنّ تركيز الأهداف العسكريّة في قلب الدولة هو أمر خطير إستراتيجيًا وأمنيًا، لافتةً إلى أنّ المس به سيُحيّد كل القوى الفاعلة بها.
وتشير الدراسة أيضًا إلى أنّ اليهود في فلسطين التاريخيّة اليوم باتوا يشكلون 49.2% من السكان فقط، وتتوقع تراجعهم لـ41.8% عام 2025، مذكرة بوجودهم وسط بحرٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ.
وتقدم الدراسة نماذج كثيرة لحالات مشابهة تعرضت لانهيارات سياسية جراء اختلاف الأطراف عن المركز من النواحي الإثنية والاقتصادية والخدماتية، منها جنوب السودان وكردستان وأذربيجان وجنوب لبنان ويوغسلافيا وأوكرانيا والكيبك في كندا وغيرها.
وتلقي الدراسة الضوء على الزيادة الطبيعية الكبيرة للمواطنين العرب وتنامي قوتهم، وسيطرتهم تدريجيًّا على الأطراف التي تفقد الدولة السيادة عليها جراء إهمالها، وتُشدّد في الوقت عينه على أنّ هناك احتمالات كبيرة في أنْ تتشكّل قوى فلسطينية عبر شقي الخط الأخضر تعمل سويةً لإقامة دولةٍ فلسطينيّةٍ كبيرةٍ.
ومن الجدير ذكره، أنّه إذا كانت إسرائيل قد قامت إيديولوجيتها على مبدأ طرد السكان العرب وإحلال يهود مكانهم، فإنّ مخازنها اليهودية في الخارج بدأت بالنضوب لجهة إمدادها بالصهاينة الراغبين في العودة إلى ما يُطلقون عليها أرض الميعاد، الأمر الذي جعل سوفير وأصدقاءه يعلنون تعويم الترانسفير الجديد وطرد كل من فلسطينيي 1948 ومعهم فلسطينيو غزة والضفة الغربية أيضًا إلى الأردن والعراق وتوطين الفلسطينيين حيث هم في الدول العربية ودول العالم كافّةً.