ليس صدفة أن اختار الرئيس المصري، انور السادات، ضم قطاع غزة في التسوية السلمية بين اسرائيل ومصر. فالسادات، الذي عرف جدا عش الدبابير هذا، لم يرغب في السماع عن قطاع غزة، الذي تحول ليكون عبئا علينا. فمتلازمة غزة ترافقنا منذ قيام الدولة. في الخمسينيات خرج من غزة الفدائيون لتنفيذ اعمال القتال والسرقة في اسرائيل، ومن قطاع غزة هددنا في منتصف الستينيات احمد الشقيري، الرئيس الأول لـ م.ت.ف، الذي زرع بذور الكفاح العنيف ضد اسرائيل لاستعادة الاراضي المحتلة واقام في غزة جيش التحرير الفلسطيني. ومن اعتقد أن فك الارتباط عن غزة سيعفينا من عقابهم فقد أخطأ. غزة هي جزء منا، مثلما هم الفلسطينيون جزء منا. وبالتالي فانه عندما يكون شر في غزة فهذا يؤثر علينا.
في عصرنا الكهرباء هي شريان حياة رئيس وحيوي، والحياة بلا كهرباء على مدى 20 ساعة في اليوم من شأنها أن تصبح مصيبة انسانية. من هنا فانه محظور علينا أن نكون «غريب السبت» للسلطة الفلسطينية فنقطع تيار الكهرباء في الوقت الذي يخوض فيه ابو مازن صراعا فلسطينيا داخليا مع «حماس». إننا نبقي مليوني شخص من سكان قطاع غزة بلا كهرباء وماء، حيث ستتوجه اصابع الاتهام الينا؛ ليس الى السلطة الفلسطينية التي توقفت عن الدفع لقاء الكهرباء، وليس الى «حماس»، التي تفعل في غزة فقط ما هو خير لها ولمصالحها وتستهتر بكل العالم. بدلا من المساهمة في الفعل غير الحكيم لوقف الكهرباء الى قطاع غزة علينا أن نجند كل ما هو ممكن كي نحل مشكلة الكهرباء والمياه في قطاع غزة كي تعرف كل أم فلسطينية باننا قمنا بكل ما نستطيع كي يكون لاولادها كهرباء وماء مناسب للشرب، رغم أنه من الواضح أن «حماس» لم تغير معتقدها وعقيدتها التي تتبنى الدولة الفلسطينية من البحر حتى النهر بلا يهود وأموال الضرائب والمنح التي تضخ الى قيادتها تستغل بالتعاظم العسكري وبناء الانفاق.
توجد «حماس» هذه الايام في احدى فترات الدرك الاسفل الاصعب لها، وضع من شأنه ان يشعل بسهولة مواجهة اخرى مع اسرائيل، رغم انه حسب كل التقديرات، فانها لا تريد وغير مستعدة لمواجهة اخرى في هذه المرحلة. «حماس» لا تسير نحو السقوط، ونحن محكومون بان نعيش لسنوات طويلة اخرى مع غزة تحت حكمها. هذا هو الوقت لايجاد حل يؤدي الى تغيير ذي مغزى في قطاع غزة. ولا يمكن الوصول الى ذلك الا بمساعدة كتلة الدول السنية: مصر، السعودية، الاردن، دول الخليج، تركيا وبالطبع، من خلال المساعدة الاقتصادية من الولايات المتحدة واوروبا. في المرحلة الاولى فان الحاجة العاجلة هي تفكيك القنبلة الموقوتة من خلال تفكيك وتوزيع جزء مهم من مخيمات اللاجئين المكتظة في القطاع. ينبغي التقدم في صيغة في اطارها تفتح مصر بوابة من قطاع غزة باتجاه الغرب، وبمساعدة الاستثمارات والمنح التي تعطى لها، تسمح بنقل جزء كبير من اللاجئين من قطاع غزة باتجاه العريش ورفح المصرية. في هذه المنطقة تقام مناطق استجمام وتجارة حرة، ما سيجتذب الى هذه الجنة غير المستغلة عشرات الاف السياح من كل العالم وتوفر الاف اماكن العمل لمخلي مخيمات اللاجئين. والى جانب ذلك تقام ايضا مشاريع تتمتع بقوة عمل رخيصة نسبيا. وحدها خطوة كهذه يمكنها أن تغير الواقع في المنطقة وتقلل من قيمة «حماس» كمصدر سلبي ذي تأثير على حياة مليونين من الفلسطينيين الذين يعيشون في ظلها. لم يسبق أن كانت في منطقتنا فرصة جيدة بهذا القدر لتغيير الواقع الصعب. ينقصنا فقط الان الجرافة التي تدفعها الى الامام. مشوق ان نسمع ما كان لترامب ان يقوله عن هذا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف